كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

أكذب الناس في المرويات. والكوفة أرض دارت فيها كثير من الفتن، فشاع الوضع في الحديث تأييدا للمذاهب السياسية، وهذا بدوره جعل التابعين فيها يقلون الرواية من الحديث عنه صلى الله عليه وسلّم، فكانت الأحاديث التي يعول عليها لديهم قليلة، وهذا يدعوهم عند النظر في المسائل إلى القول بالرأي، حيث لا نص.
4 - اختلاف بيئة الحجاز عن بيئة العراق، فقد كان العراق متاخما للفرس، واتصل بالحضارة الفارسية اتصالا وثيقا، وذلك من شأنه أن يحدث كثيرا من المسائل الجزئية، والمشاكل المتعددة، فكان من الضروري أن يقضى فيها بحكم شرعي، وقد لا يكون هناك نص في هذه الواقعة، فكان لا بد من الاجتهاد في الرأي، فوسع هذا من دائرة العمل به.
ولذا نجد ابن عمر يقول عنهم: يا أهل العراق تأتون بالمعضلات (¬1). وكان ابن المسيب إذا سئل عن مسألة شائكة قال للسائل: أعراقي أنت (¬2)؟.

الخصيصة الثانية: كثرة الاشتغال بالقراءة:
وهذا مما اختصت به مدرسة الكوفة، وسبقت فيه، فقد حرص الكوفيون أشد الحرص على هذا العلم، فقلما تجد مفسرا بينهم يخلو تفسيره من الاعتماد على القراءات في إيضاح المعاني القرآنية لأنها السبيل الموصل إلى فهم بعض المعاني، وبيان المراد بها.
وقد جعلوا القراءة أصلا من الأصول التي اعتمدوا عليها في منهجهم في التفسير، حتى إن كثيرا من الأئمة تمنى أن لو كان يقرأ بقراءة شيخهم.
وقد ذكر السيوطي أن عدد القراءة في الكوفة، كان يزيد على عدد القراء في كل من المدينة، ومكة، والشام، والبصرة (¬3).
¬__________
(¬1) المعرفة (2/ 759).
(¬2) المعرفة (2/ 759).
(¬3) الإتقان (1/ 73).

الصفحة 582