وكان القراء كتيبة خاصة في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث (¬1).
وعدّ الذهبي من القراء الكبار ثلاثة من الكوفيين، في حين لم يذكر من البصريين إلا واحدا (¬2).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي أصحابه ممن أراد السفر إلى الكوفة بقوله: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جرّدوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم (¬3).
هذه حال الكوفة، لهم دويّ بالقرآن كدوي النحل، وليس هذا بمستغرب على مدرسة تولى إمامتها ابن أم عبد رضي الله عنه الذي أخذ من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبعين سورة، والذي كان من أكثر الصحابة اشتغالا بالقراءة واعتمادا عليها في تفسيره (¬4).
ولقد كان لابن مسعود الأثر البالغ على أصحابه، وعلى غيرهم من تلاميذ المدارس الأخرى ممن أقام أو مرّ بالكوفة (¬5).
ونجد أن هذا الأثر امتد في الكوفة إلى ما بعد عصر التابعين، ففيها من أئمة القراءات السبع ثلاثة، هم أعلام القراءة في الأمصار الإسلامية، وهم عاصم بن أبي النّجود، وحمزة بن حبيب الزيات، وعلي بن حمزة الكسائي، ومرجع هؤلاء جميعا أبو عبد الرحمن السّلمي، وزرّ بن حبيش (¬6).
وقد انعكست قراءات ابن مسعود التفسيرية هذه على فقه أهل العراق، الذين
¬__________
(¬1) تاريخ الطبري (6/ 350).
(¬2) معرفة القراء الكبار (1/ 8242)، ذكر منهم سعيد بن جبير، وسعيد كما سبق في ترجمته مختلف في نسبته، والأكثرون على أنه كوفي الموطن.
(¬3) طبقات ابن سعد (6/ 7)، وسنن الدارمي (1/ 85)، وسنن ابن ماجة (1/ 12).
(¬4) سبق بيان ذلك وتفصيله عند الحديث عن تقدمه رضي الله عنه في علم القراءة ص (465).
(¬5) كما نجد ذلك عند ابن جبير، ومجاهد، وقتادة، وقد سبق إيضاح ذلك.
(¬6) مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة النحو (22)، وكتاب قراءة عبد الله بن مسعود (32).