كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

الخصيصة الثالثة: الانشغال عن التفسير بالحديث، والمغازي، والسير، والفقه الأثري:
انشغل أهل المدينة بالحديث والأثر، بسبب توافر عدد كبير من الصحابة بها، كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فتلقف التابعون بالمدينة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أفواه الصحابة، واهتموا به، واعتنوا بحفظه ونشره، ولا سيما الأنصار، حتى شهد لهم ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: وجدت أكثر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عند هذا الحي من الأنصار (¬1).
ولأجل هذا الاهتمام قبل كثير من أهل العلم رأي أهل المدينة وعلمهم، وجعلوه حجة، قال زيد بن ثابت: إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه السنة (¬2).
وما ذاك إلا لاهتمامهم بالسنة والحديث، فهم أكثر اهتماما بذلك من مدرسة الكوفة مثلا، التي أقلت من رواية الحديث، وأكثرت من الآثار عن الصحابة (¬3).
وترتب على ذلك أن الأئمة كانوا يقدمون أهل المدينة على أهل العراق في الحديث (¬4).
كما اهتم أهل المدينة أيضا بالمغازي والتاريخ، بل كانوا المقدمين في ذلك، يقول شيخ الإسلام: إن أعلم الناس أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق، فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم (¬5).
ولذا نجد الزهري من صغار التابعين قد برز في علم المغازي، وكان ابن إسحاق
¬__________
(¬1) سنن الدارمي (1/ 141).
(¬2) المعرفة (1/ 438).
(¬3) الرفع والتكميل (87).
(¬4) المعرفة (1/ 438).
(¬5) مجموع الفتاوى (13/ 346).

الصفحة 595