كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

ومع ذلك، وبعد إحصاء ما ورد عنهم في هذا الباب، وجدتهم قد اختلفت مناهجهم في ذلك، وتباينت مسالكهم فيه.
فإذا جئنا إلى المدرسة المكية نجد تباينا بين أفرادها في اعتمادهم على هذا المصدر من مصادر التفسير.
فمجاهد مثلا أكثر هذه المدرسة نتاجا في هذا الباب، وكثير من تفسيره هذا كان من هذا الباب، فهو يأتي بالآية، ويفسرها بآية أخرى ليزيل إشكالا واقعا فيها، أو ليوضح حكما أصوليا من عموم، أو خصوص، أو غير ذلك، وكل هذا يحتاج فيه إلى الاجتهاد، وقريب من ذلك كان منهج عكرمة إلا أنه أقل نتاجا من مجاهد.
فإذا جئنا إلى سعيد بن جبير، فإننا نلحظ أن عامة ما قام بتفسيره هو من الآيات بالقرآن كان من آيات الأحكام، وهو موافق لمنهجه الذي مر ذكره (¬1).
وكذلك كان الأمر بالنسبة لعطاء، وزد على ذلك أن أكثر المنقول عنه كان في آيات الحج بخصوصها، لما كان له من باع طويل في ذلك.
أما مدرسة البصرة، فقد غلب على أئمتها الوعظ، وانعكس ذلك على تناولهم لتفسير الآيات بالقرآن، فجل المنقول عن الحسن في ذلك كان مما له مساس وتعلق بالوعظ وأدل شيء على ذلك آيات الوعد والوعيد، ولذا كثر عنده الاهتمام بتفصيل إجمال الآيات، وإزالة مشكلها، وبيان العموم والخصوص في آيات الوعد والوعيد، وكثير من المنقول عنه من باب الإشارة، أي يذكر الآية، ويشير لمعناها في آية أخرى دون أن يذكرها صراحة، وربما تلاها ولم يذكر أنها تفسير للأولى، وكل هذا يتناسب مع منهج الوعظ الذي سلكه.
ولم يبتعد قتادة عن هذا المنهج كثيرا، إلا أنه ربما أضاف إلى ذلك اهتمامه بجمع المعاني الكثيرة من القرآن في تفسير آية، كما جاء عنه في تفسير قوله تعالى:
¬__________
(¬1) كما مرّ معنا ذلك في ترجمته (144).

الصفحة 610