كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

واستدل بورود ذلك في آيات متشابهة في القرآن تدل على هذا الجزء الخاص من المعنى، وإلا فليس معنى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} هو من (سلموا على أنفسكم) كما هو ظاهر، وإنما التشابه في معنى (النفس)، وأنها استخدمت بمعنى (الغير)، ويلحظ عكرمة أنه قد جاء في غير آية من القرآن بيان أن اليوم عند الله كألف يوم مما نعدّ، فجمع تلك الآيات المتشابهات في هذه القضية، وخلص إلى أن المقصود بذلك هي أيام الآخرة واستدل على ذلك، فعنه أنه قال في قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} (¬1)، قال: هذه أيام الآخرة، وفي قوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (¬2)، قال:
يوم القيامة، وقرأ: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً} (¬3).
وبنحو ما قاله عكرمة، جاء عن مجاهد رحمه الله (¬4).
ب تفسير الآية بالآيات التي تحمل بعض معناها واللفظ مختلف، فمن ذلك ما جاء عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ}، قال: الزنا {أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً} (¬5)، قال: يزني أهل الإسلام كما يزنون، قال: هي كهيئة {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (¬6).
فلم يرد مجاهد رحمه الله هنا أن المشركين أرادوا من النبي أن يزل في الفاحشة فيزلوا، بل أراد أن ينبه على تشابه أهل الباطل في أنهم يودون أن يكون أهل الخير منحرفين عن الطريق المستقيم، فيكونوا جميعا سواء.
¬__________
(¬1) سورة الحج: آية (47).
(¬2) سورة السجدة: آية (5).
(¬3) سورة المعارج: آية (6، 7). والأثر أخرجه الطبري في تفسيره (17/ 184).
(¬4) تفسير الطبري (17/ 173)، وفتح القدير (3/ 461)، ومن الأمثلة أيضا عن مجاهد في هذا الطريق من طرق تفسير القرآن بالقرآن، ينظر تفسير الطبري الأثر رقم 20610م.
(¬5) سورة النساء: آية (27).
(¬6) سورة القلم آية (9)، والأثر أخرجه الطبري في تفسيره (8/ 213) 9131.

الصفحة 616