كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

ومن ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬1)، فهذه الآية لم تحدد ما الذي ينفق، وإنما عممت بالاسم الموصول (ما) (¬2)، فلما فسرها مجاهد قال: وهي مثل قوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلى َ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} (¬3) الآية، ومثل قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلى َ أَنْفُسِهِمْ} (¬4).
فذكر أفرادا من العموم، وهي الإطعام، وما يؤثر به الغير، وقريب من ذلك ما ذكره مجاهد أيضا في تفسير قوله تبارك وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلى َ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} (¬5)، قال: هي كالتي في النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، في جزائه (¬6).
ففي الآية الأولى جاءت كلمة (نفس) نكرة في سياق الشرط فأفادت العموم، ورأى مجاهد تخصيصها بالمؤمن (¬7).
ومثال آخر في تفسير قوله عز وجل: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (¬8) قال الحسن:
الكافر ثم قرأ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (¬9) قال: من الكفار (¬10).
¬__________
(¬1) سورة آل عمران: آية (92).
(¬2) (ما) من صيغ العموم على الراجح عند الأصوليين، يراجع شرح الكوكب المنير (3/ 120).
(¬3) سورة الإنسان: آية (8).
(¬4) سورة الحشر: آية (9)، والأثر أخرجه الطبري في تفسيره (6/ 588) 7392، 7393.
(¬5) سورة المائدة: آية (32).
(¬6) سورة النساء: آية (93).
(¬7) تفسير الطبري (10/ 236) 11784، 11785، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، عن مجاهد بنحوه (1/ 64)، ويراجع في كون النكرة في سياق الشرط من صيغ العموم: شرح الكوكب المنير (3/ 140).
(¬8) سورة النساء: آية (123).
(¬9) سورة سبأ: آية (17).
(¬10) تفسير الطبري (9/ 237) 10511، 10512، وزاد المسير (2/ 210)، والدر (2/ 703).

الصفحة 622