كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

على السنة (¬1).
والمراد أنه لا يمكن لأحد أن يكتفي بالقرآن عن السنة، في حين أن من لم يبلغه كثير من أحكام القرآن فإنه يمكن أن يعبد الله بما شرعه له نبيه صلى الله عليه وسلم، فهو لم يقل ما قال، ولم يذكر ما ذكر، إلا بفهم لكتاب الله واتباع له.
وأما طرق بيان القرآن بالسنة، فقد ذكر الإمام الشافعي جملة من الأمثلة الواردة في الكتاب (¬2)، والتي جاءت السنة ببيانها على أكمل وجه، وقد جمع الشيخ أبو زهرة هذه الأمثلة، وقسمها إلى ثلاث طوائف هي (¬3):
أولا: أن يكون الكلام محتملا احتمالين، فتعين السنة أحدهما، ومن ذلك قوله تعالى في شأن المطلقة طلقة ثالثة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} (¬4)، فاحتمل ذلك أن يتزوجها غيره ولو لم يدخل بها، وأن عقد النكاح كاف لإحلالها للأول، واحتمل ألا يحلها حتى يدخل بها، لأن اسم النكاح يقع بالإصابة، ويقع بالعقد، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل لك حتى تذوق العسيلة» (¬5)، تعين أن الإحلال لا يكون إلا بنكاح حصل فيه دخول.
ثانيا: يكون القرآن مجملا فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم المفصل، وكذلك شأن أكثر الفرائض،
¬__________
(¬1) المرجع السابق (1/ 30)، ولما سئل الإمام أحمد عن هذا القول، قال: ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكني أقول: إن السنة تفسر الكتاب وتبينه، ينظر تفسير القرطبي (1/ 30).
(¬2) الرسالة (64).
(¬3) ابن حنبل لأبي زهرة (225).
(¬4) سورة البقرة: آية (230).
(¬5) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب شهادة المختبئ، ينظر الفتح (5/ 249) 2639، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره (1/ 111) 1433، وأبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب المبتوتة (2/ 731) 2309.

الصفحة 630