كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

فالصلاة مفروضة في القرآن إجمالا في مثل قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} (¬1) والزكاة مفروضة إجمالا في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2)، وكذلك الحج، وهكذا. ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد الصلوات، وكيف تكون في السفر، وفي الحضر. وكذلك الزكاة، قد بينت السنة المقادير الواجبة في كل نوع من أنواع الأموال، وشروط هذا الوجوب، وبينت السنة مناسك الحج ومواقيته، وما يتبع ذلك، فكانت السنة في هذا تفسيرا للقرآن.
ثالثا: بيان الخصوص في العام، فإذا كان لفظ القرآن عاما، وجاء من السنة ما يدل على خصوصه كان ذلك الخصوص تفسيرا له، وبيان أنه أريد به الخاص، ومن عام القرآن الذي أريد به الخاص، ودلت السنة على ذلك التخصيص قوله تعالى:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (¬3)، فهذه الآية الكريمة بعمومها تفيد أن من يسرق شيئا تقطع يده، سواء أكان قليلا أم كثيرا، ومهما يكن نوع المسروق، ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا قطع في ثمر ولا كثر (¬4)، وألا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا، فكان لفظ القرآن عاما، وظاهره الدلالة على العموم، وأريد الخصوص بتخصيص السنة وهو أنه لا قطع إلا من سرقة محرز، وبلغت سرقته ربع دينار.
¬__________
(¬1) سورة النساء: آية (103).
(¬2) سورة التوبة: آية (103).
(¬3) سورة المائدة (38).
(¬4) رواه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه (2/ 839) 32، وأحمد في مسنده (4/ 140)، والدارمي في سننه (2/ 174)، والنسائي في سننه، كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (8/ 86)، وابن ماجة في سننه، كتاب الحدود، باب لا يقطع في ثمر ولا كثر (2/ 865) 2594.

الصفحة 631