كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 2)

فإن لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم فعن أصحابه، فإن لم يكن عن أصحابه اجتهدت رأيي (¬1).
وجاء في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (¬2)، قال ابن شهاب: لم نسمع في هذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أئمة العامة سنة أذكرها، وقد كنا نتذاكرها أناسا من علمائنا أحيانا، فلا يذكرون فيها سنة معلومة، ولا قضاء من إمام عادل، ولكنه يختلف فيها رأيهم (¬3).
فقد بين الزهري بذلك منهجا عاما للتابعين في تقديم السنة على ما سواها، وليس هذا مما انفرد به الزهري، فهذا عطاء قال: كنّا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول في من أحرم، وعليه قميص أو جبة، فليخرقها عنه، فلما بلغنا هذا الحديث يعني حديث يعلى بن أمية (¬4) أخذنا به وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك (¬5).
وبلغ من حرصهم على الاعتماد على هذا المصدر أن الحسن مثلا يتشدد في رواية الإسرائيليات، وقلّ أن يقبل شيئا منها أو يرويه، لكن تلك الرواية مؤيدة بحديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم تساهل في روايتها، وسيأتي مزيد بيان لذلك (¬6).
¬__________
(¬1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 75).
(¬2) سورة المائدة: آية (106).
(¬3) تفسير الطبري (11/ 168) 12940، وأورده السيوطي في الدر، وعزاه إلى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن شهاب به (3/ 224).
(¬4) حديث يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة، بعد ما متمضّخ بطيب فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سكت، فجاءه الوحي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها»، والحديث رواه البخاري في صحيحه كتاب الحج، باب ما يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (3/ 6)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم لحج، أو عمرة (2/ 836)، وأبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه (1/ 422).
(¬5) المغني (5/ 109)، وآداب الشافعي للرازي (206).
(¬6) في مبحث منهجهم في رواية الإسرائيليات، ص (875).

الصفحة 637