كتاب تفسير التابعين (اسم الجزء: 1)

أخرج ذلك ابن حبان من طريق مجاهد عنه، والمراد باهتزاز العرش استبشاره، وسروره بقدوم روحه، يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه: اهتز له، ثم قال: ووقع ذلك من حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ: «اهتز العرش فرحا به» لكنه تأوله كما تأوله البراء بن عازب، فقال: اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا، قال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي حمل عليه (¬1) اهـ. وليس ما يمنع أن يقع من العرش اهتزاز حقيقي، ويكون لازمه الفرح والاستبشار، وعلى كل فقد اتضح من هذا أن القول لابن عمر وليس من تفسير مجاهد، والله أعلم.

ثانيا: الدقة في التفريق بين الكلمات المتشابهة:
كان رحمه الله من أكثر التابعين دقة في اختيار الكلمات لتفسير الآيات، وكان ينبه في بعض المواضع على الكلمات المتشابهة مع إيضاح الفروق المعنوية بينها، فمن ذلك ما جاء عند قوله سبحانه: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} (¬2).
قال: ليس بالسحاب، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة لم يكن إلا لهم (¬3).
¬__________
(¬1) فتح الباري (7/ 124)، وقد أخرج هذا القول الأخير لابن عمر، الحربي بسنده في غريب الحديث (1/ 173) من طريق عطاء عن مجاهد عن ابن عمر به، وعلق ابن حجر على هذه الرواية بقوله: ورواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر، في حديث عطاء مقال لأنه ممن اختلط في آخر عمره (ثم قال): ويعارض روايته أيضا، ما صححه الترمذي من حديث أنس قال: «لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة كانت تحمله» قال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين، وليس لمعارضها في الصحيح ذكر ينظر الفتح (7/ 124)، وسنن الترمذي (5/ 690)، كتاب المناقب، باب مناقب سعد بن معاذ، وفضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 818) والمستدرك (3/ 207).
(¬2) سورة البقرة: آية (57).
(¬3) تفسير الطبري (2/ 90) 963. وينظر تفسير الماوردي (1/ 134)، وتفسير ابن عطية (1/ 227).

الصفحة 97