كتاب الأشربة وذكر اختلاف الناس فيها لابن قتيبة
وَمِنْ عَجِيبِ شَأْنِهِمْ أَيْضًا شُرْبُهُمْ مِنْهُ الْغَلِيظَ الْكَاظَّ الْقَبِيحَ مَنْظَرًا، الردي مخبراً، الذي نشوته سدد، وَعَاقِبَتُهُ دَاءٌ، وَالْخَمْرُ مُعْرِضَةٌ بِصَفَائِهَا وَطِيبِ رَائِحَتِهَا، وَسُهُولَةِ مَسْلَكِهَا، وَهُوَ معرض عنها التقزز، وَيَصُونُ عَنْهَا الثَّوْبَ، وَلَوْ عُرِضَ عليه بكأس منها مِنَ الْعِقْيَانِ لَمْ يَشْرَبْهُ، فَمَاذَا الْعُذْرُ أنَّ كَانَا عِنْدَهُ سَوَاءٌ في الترك مَا هُوَ أَنْفَعُ إِلَى مَا هُوَ أَضَرُّ، وَمَا هُوَ أَغْلَى إِلَى مَا هُوَ أَخَسُّ، هَيْهَاتَ مَا ذَاكَ إِلَّا لِفَرَقٍ وَاقِعٍ فِي الْقُلُوبِ، وَشَهَادَاتُ الْأَفْعَالِ أَعْدَلُ مِنْ شَهَادَاتِ الْمَقَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشُّعَرَاءِ فِي شَارِبِي النَّبِيذِ وَالْمُنَادِمِينَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا أَخْبَثَ مِنْهُ فِي تَارِكِي النَّبِيذِ وَالْهَاجِرِينَ لَهُ قَالَ ابْنُ بِيضٍ الشَّاعِرُ:
أَلَا لَا يَغُرَّنْكَ ذُو سَجْدَةٍ ... يَظَلُّ بِهَا دَائِبًا يَخْدَعُ
وَمَا لِلتُّقَى لَزِمَتْ وَجْهَهُ ... وَلَكِنْ لِيَأْتِيَ مُسْتَوْدَعُ
ثَلَاثُونَ أَلْفًا حَوَاهَا السُّجُودُ ... فَلَيْسَتْ إِلَى رَبِّهَا تُرْجَعُ
وَرَدَّ أَخُو الْكَأْسِ مَا عَنْدَهُ ... وَمَا كُنْتُ في رده أطمع
الصفحة 205