كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

55…
فمن يعرفنها يستعد لحربها مجنا (1) من الرأى السديد ستور
ومن لم يضع حركاتها نصب عينه رمته بأمر منهاه خطير
ومن لم يحاذر غدرها أشتمت به عداه وإشمات العدو كبير
ومن لم يفكر في الحوادث دائما فذلك معدوم الحواس بصير
ومن لم يسل بالعلم والحلم التقى فسابحه عند السباق قصير
ومن لم يشاور في مهمات أمره ولم يستخر فيها فذاك غرور
وما خاب من في الأمر أبدى استخاره ولم يند من في الأمور
يشير ومن لم يكن عند الشدائد عدة لإخوانه ويل له وثبور
ومن يتخذ أنصاره غير قومه فليس له في النائبات نصير
ومن يتساهل في أخيه فإنه يصير عليه ما عليه يصير
ومن ينتصر بالضد لابد ينخذل كمن رام حسادا يكون ظهير
ومن يعتمد فردا سوىلا الله فايل (2) ومن يعتقد حسبا سواه كفور
ومن يعتبر حمدا لغوغا وقته يعد حمدهم ذنبا وذلك زور
ومن عنف الموجوع أبدى شماتة لها في حشاشات الفؤاد سعير
ومن عاشر الأنذل عرض عرضه لعارض شتم بالملام مطير
ومن جرب الأمر المجرب نادما كالكسعى ذي القوس وهو شهير
ومن يتحمل ذلة فوق زلة من الألف عن حلم فذاك شكور
ومن يتجرع عصة الصبر ذاق من حلاوة عيش أضمرته دهور
وويل لمعروف بمعروفه سما فصار له كف الأنام يشير
يعاديه من يسدى إليه حمائلا ويسلمه من كان عنه يجير
فإياك إياك الظهور فإنه كما قيل كسر للظهور ظهور
فكم ظاهر ممن رأيناه قد غدا بباطن أطباق عليه صخور
وصار حديثا قد مضى ذاك وانقضى وأصبح تنعوه ربا وقصور
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر هناك سمير
ومن بعد هذا اينقضى كل ما ترى وتحدث من بعد الأمور أمور
__________
(1) المجن: الترس.
(2) أى: مخطئ

الصفحة 55