كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

59…والله أعلم بقتله، فوقعت بينهم وقعات هائلات تصوب فيها جمع من الطائفتين وقتل سلطان وسلم القللى وتجهوا إلى حارة الأغوات وأتموا ليلتهم، ولما أصبح الصباح اجتمعت النوبجبتية في الحارة واستحكموا الحكام في ذلك فأمر شيخ الحرم على أغا بأن يحبس محمد سعيد بن مصطفى كتخذا سابقا أوده باش وكان بيرقدارا في وجاقهم ويحبس معه جماعته فحبسوا، وبعد مضى نحو من أربعة أيام أفترقت النوبجبتية فرقتين.
منهم من قال: إنه ما يحبس ويخرج من حبسه، ومنهم من تشدد في حبسه، وسبب ذلك أن شيخ الحرم تشدد في عدم إطلاقة حتى يصل إليه جوابه من الشريف أحمد بن سعيد أمير مكة المشرفة، فتكاثر الآبون بحبسه وأطلقوه رغما على شيخ الحرم وجماعته، ولما خرج محمد سعيد تعصب هو ومن في حزبه في عزله الجاوش على قللى وقالوا: لا بد من عزله وإخراجه من الوجاق فأبى ذلك شيخ الحرم، فطال بينهم الحال، واشق الأمر فرأى شيخ الحرم الإصلاح في عزله فعزله، وعزل الجاوش أحمد خليل ونصب عوضهما شرف قباني عوضا عن القللى، وأحمد تركى عوضا عن أحمد خليل، فقالوا ما زيد هذين أيضا، فقالوا مازيد هذين أيضا، فقال شيخ الحرم والكتخذ محمد قمقمجي: ما نحن على رأيكم وأهوائكم فخرجوا عنهم نافرين، وتوجهوا إلى القلعة مستنصرين بهم ومستنجدين، وصاروا كل يوم مع جماعتهم في أمور عظيمة وأحوال جسيمة، فأرسل شيخ الحرم إلى الشريف أحمد يعرفه بهذا الأمر، فأتى بيورديا من طرف الشريف أحمد لعشر بقين من رجب، فاجتمعوا العساكر وحكام المدينة وجميع الأعيان في دكة الأربعين كما هو العادة وأتى كتخذا القلعة محمد فليلى بنحو أربعين مقاتلا تحزم ظهره، وحضر من جملتهم الشريف زين العابدين البركاتي ولما استكملوا جلوسهم في الدكة قام أحمد كتخذا كاتب شيخ الحرم وقرأ الكتاب عليهم وهم يسمعون، فكان مضمونه قد بلغنا ما فعل الفللى وعزل الجواويش فمن بعد الآن لا أحد يتعرض لوجاق غيره، وكل منكم حكمه لكتخذاه وأغاته وشيخه وأرسلوا الجماعة الذين حصل منهم هذا الفساد، فأبى أهل القلعة أن يطيعوه في ذلك، وكادت تقع المقاتلة بين الفريقين،…

الصفحة 59