كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

61…
الفتنة الثانية فتنة بين وجاق القلعجية ووجاق النوبجبتية
وأسبابها عظيمة وأحوالها جسيمة، فمن جملة ذلك ارتكابهم للمعاصى في السر والنجوى، وعدم التقاص في الأمر بالمعروف والتقوى ولم يزل الحال بينهم في طول وعرض، إلى أن كاد يملأ ما بين السماء والأرض ولما عظم الكرب، وكاد أن يشب بينهم نار الحرب، والطعن والضرب، أشار بعض الناصحين على الكتخذا محمد فلبلى بأن يعرف أمير مكة المشرفة سرور بن مساعد وكان أول ولايته، ويشرفه على هذا الأمر قبل أن يطول بينهم الحال، فأرسل إليه يعرض بذلك ويستعطف خاطره في إطفاء نار الفتنة، فأرسل الشريف إلى شيخ الحرم والكتخذا محمد قمقجي يطلب منهم مشبي (1) الفتنة الذين هم من طرفهم كالفلبلى وعيسى الجزار ونحوهم فرأى (*) أن الأمر عظيم وتمت عليه الحيلة، فما وسعه إلا أن توجه بنفسه إلى الشريف وشكى أليه حاله، وتظلم عنده، وقال له: أحضر خصمائي بين يديلك فإن كنت ظالما أنت أولى منى بالإنصاف، وإن كنت مظلوما فأنت خذ بيدى، وكانت حيلة منه، فأرسل الشريف سرور يطلب الفلبلى للمحاكمة بين يديه، وتعاين للفلبلى منه المكروه، حسبما ألقى إليه فيه فتعذر في الحضور، فتيقن الشريف بأن الحق مع القمقمجي، وكان بالأمر المقدور أن جاءه خبر من قتل من النوبجتية في مدة جلوسه فزاده إيقانه، وذلك أنه لما توجه القمقجي إلى الشريف كما ذكرنا كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ساكنون في المناخة، وكل ليلة ينزلون صلاة الصبح من باب المصرى وهم أشد طائفة النوبجبتية، وصارت تصدر منهم في أهل القلعة أمور خصوصا لما تيقنوا معاضدة الشريف لهم كما فيهم من أولئك عظائم شرور،
__________
(1) في المخطوط: " مشبين" وهو تحريف، وما أثبتناه موافق الصواب. (*) أي: القمقمجي.

الصفحة 61