كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

62…ولما كان ليلة من بعض الليالي تحزم جماعة من أهل القلعة واضمروا لأولئك المكروه ودسوا على بواب المصرى بأنه حين دخول أولئك الطائفة يغلق خلفهم الباب، وكان تلك الطائفة يجتمعون عصابة واحدة عند دكة (*) شيخ الحرم وينزلون كما هم، ولما كان ليلة الجمعة لم يجتمع منهم سوى أربعة أنفس ابنا القندقجي الاثنان والبقسماطى وشرف قبانى، ولما دخلوا من باب المصرى أغلق الباب، وكان أهل القلعة رتبوا لهم رتبا وأكمنوا كمنا في غير محل من باب المصرى إلى باب السلام، ولما توسطوا خرج عليهم الكمين، ثم الكمين والآخر؛ حتى أحاطوا بهم من كل جانب، وحملوا عليهم معاتب أثر معاتب من كل الجوانب، وعسروا عليهم المداخل والمخارج، إلى أن أجحفوهم بالضرب، واستولوا عليهم بالطعن والسلب، وضعف منهم الساعد، وخانهم شيطانهم والمساعد، فوقع البقسماطى قتيلا وتلاه أحد أبناء القندقجي جديلا، ونجا أخوه وظن أنه نجا فسمع أنينه، واستنجاده به وحنينه، فرجع له منجدا فوقع بين مخاليب العدا، ولم ينج منهم سوى شرف قباني فإنهم لما أحاطوا به رماهم بجوار قربين فأخرجوا له ودخل بنعله إلى دكة الأربعين، ونادى بأعلا صوته: يا أهل الحارة، ويا أهل النجدة والغارة قد دهمتكم الرجال، وقتلوا من رجالكم الأبطال، فلم يكن له مجيب سوى صدا صوته والنحيب ورجع أولئك وهم صاجون بالصياح، فرحون بما استلبوه فيهم من العدة والسلاح، وبما نالوه من أعدائهم في ذلك البراح، وتشويه وجوههم الملاح، ولما أتى الصباح وأضاء بنوره ولاح، اجتمع العساكر أجتمع من فيما بينهم مع أمرائهم وعظمائهم، وتوجهوا إلى بيت شيخ الحرم وقالوا: إنك دأبت ما صار البارحة وأن القمقمجى الآن عند الشريف ولا يمكن أن يترك ثأر من قتل ونحن ما نسلم له بوجه من الوجوه، الرأى أننا نحرم قبل مجيده ونعقد العهود والمواثيق فيما بيننا ونطلب منك أن تضع لنا كتخذا غيره حتى يتم لنا الأمر ولا يتم له.
فقال لهم كذلك: أختاروا من شئتم، فاجتمع رأيهم على أحمد مكى فنصبه لهم وعقد فيما بين الوجاقات الأربعة والأغوات وعبيدهم وشيخ الحرم والعقود
__________
(*) دكة شيخ الحرم موضعها الآن القرقول المسمى بالخالدية؛ لأن خالد باشا محافظ المدينة هو أول من بناه، وبه سمى.

الصفحة 62