كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

85…واستطمن (1) الخلق بالبيع والشرا، وحصل الأمن أمام وورا، وأصلح بين القمقجي وبينهم وقال له: قد استوفت كل طائفة من الأخرى وبينهم، ومكث بالمدينة من أيام مراعيا بها الذمام إلى أن شاع أن قصده الظعن، وأعطاهم من الإكرام عطاء معن، إلى أن ظهرت منه الخيانة وهي من آل البيت النبوي عجب، قبيل الزوال يوم ستة وعشرين من شهر رجب ودعى جميع حكام المدينة فأتوا إليه مستطمنين (1) بالوقار والسكينة فما راعهم في الحال إلا همت عليهم في مجلسه الرجال، وكبلوهم في القيود والأغلال، وأتت عساكره أفواجا إثر أفواج، كل منهم يظن ظاهره أنه الأورق إذا هاج، وفي الحقيقة أنهم همج أجاج، يخشى من الحرب نهارا فضلا عن الليل الداج.
جاءت جماعته العبدان مع عرب سود الوجوه عراة الإست كالإبل
وحين ما عاين أهل القلعة الأمرن أغلق من كان داخلها عليهم الباب وعمدوا إلى الأبراج وحروا المدافع والبنادق على عرض الشريف، وما كان بها غير نحو عشرين من الرجال، وما بقى فأرامل لا يحصون وأطفال، وما بقى من اهل القلعة فمستقرون (2) على العهد، والميثاق والوعد، ولم نظنوا أنه مضمر على النفاق، وبعد امتطى حادة الشقاق، وإلا لكان له ولهم شأن، وأروه منازلة الأقران، ويقال: إن الشريف لم يفعل ذل الأمر المحيف إلا بأمر أوجب ذلك عنده، هو الذي نكث عهده، وذلك أن مصطفى بن الكتخذا محمد قمقجي كان هو المتحرك لأبيه في هذه الفتن، وقد ساعده على ارتكاب المحن، وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا، لما وصل الشريف سرور المدينة استنظر منه الإنجاز بالموعود بأن ينتقم لهم ممن كان معاديهم وينصب والده كتخذا نوبجبتيان كما أولا كان، فلم يلح لهم من ذلك الأفق وميض بارق، وغصوا بريق ظماء فكانوا بين
__________
(1) هذا اللفظ ليس فصيحاً والصواب أن يقال: " اطمئن الخلق" واحمائه الرجل طمأنينه أي سكن. أنظر الصحاح (طمن) 6/ 1258، والقاموس (طمن) 4/ 241.
(2) في المخطوط: " فمسغرون"

الصفحة 85