كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

88…الخدع فيكون مرجع وبالهم عليهم وكنت هذه القلعة من بناء السلطان كما يأتى راسخة البنيان، شرفها يحكى نجوم السماء، ويعصر عنه الطرف لكن دما، تجارى السحاب، ويزلق الطرف فيها كأنها سراب، يضرب بها المثل في الارتفاع والشهوق، تكاد تلامس ذروة نجوم الثريا والعيوق، فكأن الهامة لها عمامة ن أو أنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قامة، ومن جملة ذلك أنهم تسوروا عليهم السور بالسلالم غير مرة، وكان شيخ العبيد من خيار رجال الشريف، مسرور ففطنوا لهم وأرموا عليهم الحجارة، فأنزلوهم إلى أن كادوا يصلون نجوم الأرض ووقعت الحجارة على رأس شيخ العبيد فهسكت البضة في رأسه، وخمدت روحه بأنفاسه، ثم تنبهوا لمثل هذه القضية فعملوا كشافيات مثلثة أينما حلت جلست، وكانوا إذا أحسوا بشيء من ذلك أشبوا النار فيها، ثم رموها موضع ما أحسوا، فتكشف لهم الرجال فينزل عليهم صب الوبال، ويقتولهم كيف ما شاءوا، واستمروا على مثل هذه الأحوال مدة أيام وليال إلى ضاق الشريف سرور، بما وقع عليه من الشرور وعزم على السفر، وكان حين أغلق باب القلع على من كان فيها كان من جملتهم نخولى صبيا لدوريش عبد العال فضاق ذرعه، وأخرجه على حين غفلة من القلعة، ففطن به أهل المدينة ممن يميل للشريف، فأخذه وأوصله للشريف، وقال له: هذا الآن خرج من القلعة وهو صبى لدوريش عبد العال فسأله الشريف عما في القلعة من الرجال فقال نحو عشرين مقاتل وما بقى نساء وأتباع وأطفال فهدده بالقتل إن لم يقر بالصحيح، ويبين ذلك بالصريح، فقال له: والله ما قلت زورا ولا أتيت فجورا، فيقال: إنه ضحك مليا وقال: هذا القدر يفعلوا في فعل القدر، ثم إنه حرض الرجال على اشتداد الحرب والنزال وساعدهم كثير من أهل المدينة ممن يميل لأولئك الأرجاس، فلم يزدادوا إلا انهزاما وانعكاس، وصار الشريف يحرض بنفسه العساكر، ويبنى بيديه بروج خدع الدساكر، فلم يزدد إلا انهضام ويرجع هبا ما بناه من الركام، ولما طال الحال، واشتد عليه القتال، قال: إننا ننام وأولئك (1) لا ينامون، ونحن جموع مجمعة وهم شرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائطون، وإنا لجميعا منهم حاذورن، فليت شعرى لا كان الله
__________
(1) في المخطوط: " والتك"

الصفحة 88