كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

89…عن أغراني، حتى هانى ما دهانى، فلا حيرن علها فلأصبرن عليها صبرا الكرام، ولأ ناوشنهم الحرب ثلاثة أيام، فإن كان كالماضي فإنى ذاهب عنهم وماض وإن لم أكن بذلك راض، فنزل عليها بخيله ورجله، وكشف عن لئامه برفع خجله، عارضا فيها عذاب إليم، وذاق بما كسب الوبال أشد عذاب إليم، وذاق بما كسب من الوبال أشد عذاب عظيم، فعزم على السفر بعد أن شفى من خبال سقر، وأمرهم بشد الأحمال، وربط الأثقال خفافا وثقال، ونادى في الرجال: لا يأتين جنح الليل وقد بقى لكم خيط أو ميل فكان للشريف وساقوا ن وقالوا له: ما بقى إلا القليل فأعطناه كما عقدته على نفسك أولا من القيل فأبى إلا الرحيل، ومنادمة السفر الطويل، فزادهم ذلك صنعاً ووهنوا ووضعوا وضعاً، وكان عند الشريف رجل مغربي تاجر يدعى بالساحرن ولما رأى ما هم فيه من الأحوال، وكثرة القيل والقال جاء إلى الشريف وقال له: الآن تأخذ القلعة، ويحصل لك بذلك غاية المنعة، وفي الحقيقة أنه عند الله وضعه، وبأغراض نفسه الخبيثة عند الشيطان دفعه فدعى بطست قد ملأها، وقص يتلو لهدوما وقال له: ليكن جماعتك بغاية الحضور مجموعين نواحي السور، فإذا رأوا الرمى قد همد فليرتقوها على العمد، فكان الأمر كما ذكر، ولم يكن ذلك ببال بشر خظر، فما كان بد حصة حتى أشرق أولئك بالسحر وغصة وهمد الرمى، وضل كل منهم عن هذه وعمى، فخرقوا السور من ناحية باب الصفير وطلبوا منهم الأمان، فما كان جوابهم إلا الحسام والسنان.
كأنهم فتحوا أقلاع مالطة ... سلوا السيوف وجاءوا شارعى الأسل
وأذرعوهم قتلا وسلبا، وفتكا ونهبا، وهتكوا المحرمات، وأسروا الرجال والنيين والنبات، وعاملهم معاملة قسوة لا تلين، ما سمعنا بمثلها في آبائنا الأولين، ثم إنه جهز حوالة للمسير، وأخذ نحو خمسين ورجلا من أهل المدينة في شرك مخالبية أسير، سوى رجلين أحدهما عثمان سردن والآخر عمر عبد العال لكونه أصابه في وجهه…

الصفحة 89