كتاب الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة

93…البيوت المشرفة عليهم الحصينة، ويرمونهم منها بالبنادق فيهدموالهم الرجال وينكسوا لهم البنادق، واستمروا معهم لمدة أيام، وهم معهم في شدة وآلام كل ذلك ولم يكترث بهم أحد، بل إن الطفل صار يسبجلب له النوم بصوت المدافع في المهد، ومع هذا لم يقتل أحد بتلك المدافع والبنادق، المنساب وابلها الهتان سوى بقرة وشاب أتته بارده أو أخر رمضان، غير أنهم كانوا خائفين من مجيئ جرده من عند شريفهم أو نجده، فاشتوروا فيما بينهم وأرسلوا لليمن بأن يخرجوا بالأمان، فما زادهم ذلك إلا فجورا وطغين، فقال لهم الرسول: إنى ناصح لكم فيما أقول، ووالله إنكم لم تذوقوا حربا ولا طعنا ولا ضربا، فإن أبيتم أن تكونوا سنان فستذوقوا الليلة وما بعدها الحرب والطعان، وان مدافعكم المحررة لم تصب أحدا سوى شاب وبقرة (وأنا لكم ناصح أمين) (1) (فاتقوا الله وأطيعون) (2) فلم يزدهم ذلك إلأ فجورا، وركوب عميا وغروراً، ولما وصل إلى أهل المدينة هذا الخبر كان أنكى عليهم من وكز الإبر، وعزموا على الحرب وشجة الطعن والضرب وطلعوا في الليل إلى تلك البيوت الشاهقة، وأنزلوا على من بالقلعة صواعق الداهية الماحقة، وقتلوا منهم جمعا لا يحصى، وصوبوا من لا يدخل عد ولا يستقصى، وكذلك (3) في كل ليلة على مثل ذلك، فصاروا ينامون واليمن لا ينامون، وأصابهم وبال النكال إن قعدوا أو قاموا، ثم وقعت المشورة بين الحكام بأن يحفروا الغبا تحت بعض الأطام ويفتكوا عليهم جدار السور، ويهبوا على أولئك صرصر الشمال وريح الديور، فجاء الخبر لليمن بما اضمروه، فوهى جدار بنيان تدبيرهم بعد أن عمروه، فأشاروا على وزيرهم بطلب الأمان، وحرضوا عليه في ذلك التسليم والإذعان، وقالوا لئن لم تسلم طوعا لا طاعة لك علينا ولا سمعا، فقال لهم: إن الجردة تأتيكم عن قريب، فتأخذوا بثأر من قتل منكم بأوفر نصيب، فقالوا له: لا يفيد
__________
(1) سورة الأعراف آية 68.
(2) سورة آل عمران آية 50، وسورة الشعراء آية 108، 110، 126، 131، 144، 150، 163، 179، وسورة الزخرف 43.
(3) كلمة " وكذلك مكررة في المخطوط

الصفحة 93