كتاب اعتلال القلوب للخرائطي (اسم الجزء: 1)

223 - وَرُوِيَ عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا رَفَعَ إِدْرِيسَ مَكَانًا عَلِيًّا قَالَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَقُبِرَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رُفِعَ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: §مَا بَالُ هَذَا الْخَاطِئِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَمْ يُخَالِطُوا الْأَدْنَاسَ وَالذُّنُوبَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّكُمْ عَيَّرْتُمْ بَنِي آدَمَ بِالذُّنُوبِ وَزَعَمْتُمْ: مَا بَالُ هَذَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَانْتَخِبُوا عَشَرَةً مِنْ أَفَاضِلِكُمْ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالَ: انْتَخِبُوا ثَلَاثَةً مِنْ أَفَاضِلِكُمْ، فَفَعَلُوا، فَانْتَخَبُوا عِزًّا وَعُزَيًّا وَعِزْرَائِيلُ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي أُهْبِطُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ فَتَكُونُونَ حُكَّامًا، فَتَقْضُونَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، وَتُخَالِطُونَهُمْ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، وَأَجْعَلُ فِيكُمُ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ -[112]- وَأُوصِيكُمْ بِوَصَايَا، قَالُوا: نَفْعَلُ قَالَ: أُوصِيكُمْ أَنْ تَعَبُدُونِي، وَتُقِيمُوا الْحَقَّ، وَتَعْدِلُوا بَيْنَ النَّاسِ، وَأَنْهَاكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَإِيَّاكُمْ وَقَتْلَ النَّفْسِ الْحَرَامِ وَالزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ، ثُمَّ أُهْبِطُوا إِلَى الْأَرْضِ فَخَالَطُوا النَّاسَ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَاللِّبَاسِ، وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ مَذَاكِيرُ، وَجَعَلَ فِيهِمْ شَهْوَةً كَشَهْوَةِ بَنِي آدَمَ، فَكَانُوا يَقْضُونَ بِالنَّهَارِ وَيَرْتَفِعُونَ بِاللَّيْلِ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا رُفِعُوا إِلَى السَّمَاءِ كَانُوا فِي حَدِّ الْمَلَائِكَةِ وَمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا هَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ كَانُوا فِي حَدِّ بَنِي آدَمَ وَطَبَائِعِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى عِزًّا ذَلِكَ وَعَرَفَ أَنَّهَا الْفِتْنَةُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِذَلِكَ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، وَاسْتَقَالَهُ فَأَقَالَهُ، وَبَقِيَ عُزَيًّا وَعِزْرَائِيلُ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ الْأَمْرِ وَالْآخَرُ صَاحِبَ الْقَضَاءِ، يَقْضِيَانِ فِي الْأَرْضِ بِالنَّهَارِ، وَيَرْتَفِعَانِ بِاللَّيْلِ، حَتَّى جَاءَتْ إِلَيْهِمَا امْرَأَةٌ مِنْ أَجْمَلِ أَهْلِ زَمَانِهَا، وَكَانَتْ تُسَمَّى بِالْعَرَبِيَّةِ الزَّهْرَةَ، وَبِالْفَارِسِيَّةِ بِهَذَاخْتَ، فَجَاءَتْ وَعَلَيْهَا قَبَاءٌ حَرِيرٌ، وَقَدْ شَدَّتْ وَسَطَهَا بِمَنْطَقٍ مِنْ قَزْوٍ، لَهَا ذَوَائِبُ تَبْلُغُ عَجِيزَتَهَا، قَدْ جَاءَتْ تَشْكُو زَوْجَهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِمَا وَرَأَيَاهَا وَسَمِعَا نَغَمَتَهَا فَتَنَتْهُمَا لِسَاعَتِهَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَأْنُهَا، وَكَتَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَا لَهَا: أَيْنَ مَنْزِلُكِ؟ قَالَتْ: فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا قَالَا لَهَا: ارْجِعِي يَوْمَكِ حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِكِ، فَلَمَّا قَامَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا مِنْ يَوْمِهِمَا ذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دُونِ صَاحِبِهِ إِلَى مَنْزِلِهَا، فَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى الْبَابِ، فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْهَا، فَاسْتَأْذَنَا عَلَيْهَا فَأَذِنَتْ لَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَاهَا، فَقَالَتْ: لَا يَسْتَقِيمُ فِي دِينِنَا هَذَا، وَأَنْتُمَا عَلَى غَيْرِ دِينِي وَمِلَّتِي، فَإِنْ أَرَدْتُمَا ذَلِكَ فَادْخُلَا فِي دِينِي، وَاسْجُدَا لِصَنَمِي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ -[113]- هَذَا الشِّرْكُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ قَالَتْ: فَإِنْ أَبَيْتُمَا ذَلِكَ فَعِنْدِي جَارِيَتِي أُزَيِّنُهَا بِزِينَتِي، وَأُطَيِّبُهَا بِطِيبِي، وَأُحَلِّيهَا بِحِلْيَتِي، وَأُلْبِسُهَا ثِيَابِي، فَشَأْنَكُمَا بِهَا قَالَا: إِيَّاكِ أَرَدْنَا قَالَتْ: أَمَّا إِذَا أَبَيْتُمَا ذَلِكَ فَاشْرَبَا لِي خَمْرًا قَالَا: هَذَا أَهْوَنُ، فَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا: ائْتِينِي بِخَمْرَةٍ حَمْرَاءَ وَخُمْرَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا أُطْعِمَا فَأَمَرْتُكِ أَنْ تَسْقِيَهُمَا فَأَخْرِجِي الْخَمْرَةَ الْحَمْرَاءَ فَامْزُجِيهَا بِالْخُمْرَةِ الْبَيْضَاءِ فَاسْقِيهِمَا، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا شَرِبَا طَابَتْ لَهُمَا قَالَا لَهَا: زِيدِينَا، فَزَادَتْهُمَا، ثُمَّ اسْتَزَادَا، فَزَادَتْهُمَا، ثُمَّ اسْتَزَادَا، فَزَادَتْهُمَا فَسَكِرَا، فَلَمَّا سَكِرَا رَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَقَالَتْ: لَا، دُونَ أَنْ تَسْجُدَا لِصَنَمِي، فَسَجَدَا لِصَنَمِهَا، وَقَالَا لَهَا: أَمْكِنِينَا الْآنَ مِنْ نَفْسِكِ، وَدَخَلَ عَلَيْهَا سَائِلٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا السَّائِلَ سَيُذِيعُ عَلَيْنَا، قُومَا فَاقْتُلَاهُ فَقَامَا فَقَتَلَاهُ، وَقَالَا: أَمْكِنِينَا مِنْ نَفْسِكِ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ عَلِّمَانِيَ الِاسْمَ الَّذِي تَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَعَلَّمَاهَا، فَتَكَلَّمَتْ فَارْتَفَعَتْ فِي الْهَوَاءِ، فَلَمْ تَبْلُغْ حَتَّى مَسَخَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا "

الصفحة 111