كتاب اعتلال القلوب للخرائطي (اسم الجزء: 1)

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَخَمْسِمَائِةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْكَرَمِ الْمُبَارَكُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الشَّهْرُزَورِيُّ بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شُهُورِ سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ وَالشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السَّلَامِيُّ، وَالشَّيْخُ الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خُمَيْسٍ الْمَوْصِلِيُّ إِجَازَةً قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الْغَزْنَوِيُّ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَأَخْبَرَنِي أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ إِجَازَةً أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَّافُ سَمَاعًا وَبَعْضُهُمْ بِقَرَاءَتِهِ عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ الْكِنْدِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ قال:

224 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: " كَانَ §فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَلِكٌ عَظِيمُ السُّلْطَانِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ يَدْعُوهُ إِلَى مَا قِبَلَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ لَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالرِّيحِ فَنَسَفَتْهُ الرِّيحُ وَمُلْكَهُ وَجَمِيعَ مَا قِبَلِهِ حَتَّى وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ ابْنَةٌ تُدْعَى أَبْرَهَةُ، فَأُعْجِبَ سُلَيْمَانُ بِهَا، فَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَكَرِهَتْهُ، فَخَوَّفَهَا بِالْقَتْلِ فَأَصَرَّتْ، فَخَوَّفَهَا بِقَتْلِ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: إِنْ قَتَلْتَهُ قَتَلْتُ نَفْسِي، فَخَافَ سُلَيْمَانُ إِنْ أَكْرَهَهَا فَتَقْتُلَ نَفْسَهَا، وَأَحَبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِهَا -[118]-، وَتَرَكَهَا، فَلَمَّا غَلَبَتْهُ فَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَتْ تَعْتَكِفُ عَلَى صَنَمٍ مِنْ يَاقُوتٍ، وَكَانَ الصَّنَمُ مِنَ الْفَيْءِ الَّذِي نَسَفَتْهُ الرِّيحُ، فَسَأَلَتْهُ سُلَيْمَانَ فَوَهَبَهُ لَهَا، وَكَانَ لَا يَصْبِرُ عَنْهَا، وَكَانَ يَرْفُقُ بِهَا وَيَتَوَدَّدُهَا رَجَاءَ أَنْ تُسْلِمَ، فَظَلَّ مَعَهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ وَثَبَتْ عَلَيْهِ فَاعْتَنَقَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِحَيَاتِي وَبِحُبِّي وَبِحَقِّي إِلَّا مَا جَزَرْتَ لِإِلَهِي قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي، وَمَا زِيَارَتِي إِيَّاكِ وَأَنْتِ مُعْتَكِفَةٌ عَلَى الشِّرْكِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ تُسْلِمِي، ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ لَمْ تَجْزُرْ لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيمِ أَبِيهَا، فَلَمَّا سَمِعَ سُلَيْمَانُ قَوْلَهَا خَافَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَخَدَعَهَا، وَقَالَ: إِنِّي إِنْ أَجْزَرْتُ لِصَنَمِكِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ خَلَعْتُ مُلْكِي، وَانَخَلَعْتُ مِنْ دِينِي قَالَتْ: فَإِنِّي قَدْ حَلَفْتُ بِإِلَهِي: لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي، وَأُبْرِزَ يَمِينِي، فَدَعَى سُلَيْمَانُ بِجَرَادَةٍ وَسِكِّينٍ، فَذَبَحَهَا، فَسَاعَةَ قَطَعَ رَأْسَهَا أَنْكَرَ نَفْسَهُ وَأَنْكَرَتْهُ هِيَ، وَانْقَشَعَتْ عَنْهُ هَيْبَةُ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، فَوَجَدَ خَدَمًا لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ قُعُودًا عَلَى مِنْبَرِهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُرَامُ، وَوَجَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَشْبَهَ النَّاسِ صُورَةً بِهِ. فَيُقَالُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34] قَالَ: ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ خَادِمٌ مِنَ الْجِنِّ فَاسْتَلَّ خَاتَمَهُ مِنْ أُصْبُعِهِ وَأَبَقَ بِهِ، وَكَانَتِ الْجِنُّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرِمُونَهُ، فَلَمَّا أَخَذَ الْجِنِّيُّ الْخَاتَمَ وَكَانَ عِفْرِيتًا مَارِدًا رَأَى فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: مَا أَخَذْتُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ وَلَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ إِلَّا بِذَنْبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا آمَنُ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، فَلَأَطْرَحَنَّ هَذَا الْخَاتَمَ طَرْحًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَبَدًا، ثُمَّ انْطَلَقَ سَرِيعًا بِالْخَاتَمِ فَأَلْقَاهُ فِي اللُّجَّةِ الْخَضْرَاءِ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِمَ ذَبَحْتَ الْجَرَادَةَ الَّتِي قَرَّبْتَهَا؟ إِلَيَّ أَمْ لِامْرَأَتِكَ؟ فَلَئِنْ كُنْتَ ذَبَحْتَهَا لِي فَقَدْ صَغُرَتْ، وَأَمْرِي مَا سَبَقَكَ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُذْبَحُ إِلَّا ذَاتُ رُغَاءٍ أَوْ خُوَارٍ أَوْ ثُغَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ ذَبَحْتَهَا لِصَنَمِ امْرَأَتِكَ فَلَا قَلِيلَ مِنَ الْعِزَّةِ بِي، أَمَا كَفَاكَ أَنَّكَ تَزَوَّجْتَهَا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَلَمْ أُعَاتِبْكَ فِيهَا -[119]-، فَلَمَّا فَرَغَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ شَذَّ مِنْ أَهْلِهِ مَرْعُوبًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، يُغَيِّرُ كَمَا تُغَيِّرُ الدَّابَّةَ، يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ، وَيُعَدِّدُ عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَيَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ، فَلَمَّا أُخْبِرَتِ امْرَأَتُهُ بِالَّذِي أَصَابَهُ فِي سَبَبِهَا أَحْزَنَهَا ذَلِكَ وَأَبْكَاهَا، فَأَسْلَمَتْ رَجَاءَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ مُلْكَهُ، فَلَمَّا مَضَتْ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَغَفَرَ لَهُ وَانْصَرَفَ وَقَدْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ، فَمَرَّ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ، وَإِذَا بِحُوتٍ يَضْطَرِبُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْحُوتِ فَأَخَذَهُ لِيَأْكُلَهُ، فَلَمَّا فَرَى بَطْنَهُ وَجَدَ فِيهِ خَاتَمَهُ فَازْدَادَ بِذَلِكَ خَوْفًا وَعَجَبًا وَوَجَلًا، فَلَبِسَ خَاتَمَهُ فَأَعَادَ اللَّهُ مُلْكَهُ "

الصفحة 117