كتاب طبقات النحويين واللغويين

على ذلك فأبى، فلم أزل به حتى قعد في جمعةٍ من الجُمَع، واجتمع الناس، فسأله سائلٌ عن هذه الأبيات:
أَزُحْنَةَ عنِّي تطردين تبدَّدَتْ ... بلَحْمِك طيرٌ طِرْن كلَّ مطيرِ
قفي لا تَزِلِّي زلَّةً ليس بعدها ... جُبُورٌ وزلَّاتُ النساء كثير
فإني وإياه كرجلَيْ نعامةٍ ... على كلِّ حالٍ مِنْ غِنًى وفقيرِ
ففسَّر ما فيه من اللُّغةِ، فقيل له: كيف نقول: "مِن غِنًى وفقير"، وكان يجب أن نقول: "مِن غِنًى وفقر"؟ فاضطرب، فقلت للسائل: هذه غريبة، وأنا أنوب عنه. وبيَّنتُ العِلَّة، وانصرف، ثم لم يعد للقعود بعد ذلك، فانقطعت عنه.
ورجلا النَّعامة لا تنوبُ واحدة عن الأخرى؛ لأنه لا مُخَّ فيها، وسائر الحيوان إذا أعيت إحدى رجليه استعانت بالأخرى، ويقال: هما رجْلا نعامة، والأسماء تُرَدُّ على المصادر، والمصادر تُرَدُّ على الأسماء، لأن المصادر ظهرت لظهور الأسماء وتمكُّنِ الإعراب فيها.

الصفحة 140