كتاب طبقات النحويين واللغويين

جالسٌ على باب دارِه، فيتخطَّى أصحابَه، ويمضي ومعه محبرته ودِفْتَرُه، فيقرأ كتابَ سيبويه على محمد بن يزيد المبرّد، فيعاتبه على ذلك أحمد بن يحيى ويقول: إذا رآك الناس تَمْضي إلى هذا الرجل، وتقرأ عليه، يقولون ماذا! فلم يكن يلتفتُ إلى قوله.
وكان أبو عليٍّ هذا حسنَ المعرفة. وسمعتُ إسماعيلَ بن إسحاق بن إبراهيم المصعبي يقول له: يا أبا عليٍّ، كيف صار محمد بن يزيد النحوي أعلمَ بكتاب سيبويه من أحمد بن يحيى ثعلب؟ قال: لأن محمد بن يزيد قرأه على العلماء، وأحمد بن يحيى قرأه على نفسه.
ولم يزل أحمد بن يحيى مُقدَّمًا عند العلماء من أيام حداثته، قال: قرأت كتاب أبي نصر الطوسي إلى أبي أحمد من سُرَّ مَن رأى يقول: شككنا في حرف كذا وكذا، فصِرْ إلى أبي العباس فاسأله عنه؛ فإنه كان أحفظَ لِمَا يسمعه منا.
وكان ضيِّق النَّفقة مقتّرًا على نفسه، حدثني أخي -وكان صاحبه ووصيَّه- قال: دخلتُ عليه يومًا وقد احتجم وبين يديه طَبق، وفيه ثلاثةُ أرْغِفة وخمسُ بَيْضات وبقْل وخلّ وهو يأكل، فقلتُ: قد احتجمتَ فلو أخذتَ رِطْلًا من لَحْم فأصلحتَ لك منْه قُدَيْرة؛ لكان أصلحَ لك. فقال: رِطْل لحم وثمن التوابل ومثلُه أيضًا للعيال، فَقد اجْتَمع، فما له معنى!
وكانت ابنتُه قد استهلكت ألف دينار من ألفي دينار، فطالَبَها بذلك أشدَّ مُطالبة وأغلظَها، وجمعَ أصحابه عليها وناظرَها بحضْرتهم. قال: فحدَّثني أخي قال: كنتُ فيمن خاطبها وهي وراء السّتْر، فقالت: هو أعرفُ بموضع الدنانير، كان ضيِّقًا كما قد علمت، فكان يَخْرُج من عندنا بَكِرًا

الصفحة 142