كتاب طبقات النحويين واللغويين

وليس بمخلوجة، أي الأمر مستقيم وليس بمعوجٍّ، أي فطعْنُنا في السرعة كما يَكُرُّ هذا فيرمي سَهْمًا في إثر سَهْم. ويقال: كما يُصلح هذا سهامه، فهو لا يؤخّرها بل يستعجلُ فيها. والنَّابل الذي يُعالج النَّبْل ويُصْلِحها، فهو يُقوِّمُها ويغرّيها، ويسرع في ذلك لئلا تَنْفَسد عليه؛ والطَّعْن إنما هو بالإسراع فيه.
وقال أبو عمر بن سعد: كنت أسمع أحمد بن محمد بن مدبِّر يقول في كلامه: حديث ذو لِقاح. قال: فسألت أبا العباس أحمد بن يحيى عن ذلك، فقال: كما يقال: حديثٌ ذو شجون؛ وقال: الناقة اللَّقوح التي لها لَبَن، واللَّاقح: الحامل، واللِّقاح: الناقة إذا وضعت، فالمعنى: حديث ينضمُّ إلى حديث كما انضمَّ الولد إلى الأم لما صار في بطنها. وشُجُون الوادي طُرُقه وانعراجاته، فكأنَّ الإنسان يكون في حديثٍ ثمَّ يخرجُ منه إلى غيره، لأنه يتذكر به ما يشبهه ثم يعود إلى حديثه الأول، كالذي يَمْشي في الوادي، فيعرِض له الطريق، فيأخذُ فيه، ثم يؤدِّيه ذلك الطريق إلى الطريق الأول. ويقال: حيٌّ لَقاح إذا كانوا أعزَّاء لا يَدينون للملوك، ولا يُقْدر عليهم؛ كالناقة إذا حملتْ لم يقدر الفحل أن يَدْنُو منها.
قال أبو بكر: قال لي عمي: قال أبو العباس: الفرزدق وجرير أشعر من ذي الرُّمَّة، وذو الرُّمَّة أشعر من كُثيِّر، وكُثيِّر أشعر من جَمِيل.
أبو عمر بن سعد: قال أبو العباس ثعلب: صحبتُ أحمد بن سعيد بن سَلْم -وكان ظريفًا يُشبِه النَّاس- في سنة ثلاث وعشرين ومئتين، وفارقته في سنة خمس وعشرين ومئتين، وصحبتُ العبَّاسَ بُوكردان إلى سنة ثلاث وأربعين ومئتين، وصحبتُ محمد بن عبد الله بن طاهر في هذه السنة، أول يوم من المحرم، وصحبتُه ثلاث عشرة سنة، إلى أن تُوُفِّيَ رحمه الله.
أبو بكر قال: وحدثني عمي قال: سمعت أحمد بن يحيى يقول: في سنة تسع ومئتين طلبتُ اللغة والعربيةَ، وفي سنة ست عشرة ومئتين؛ ابتدأت النظر في حدود الفرَّاء وسنِّي ثمان عشرة سنة، وبلغتُ خمسًا وعشرين سنة وما بقي عليَّ مسألةٌ للفرَّاء إلَّا وأنا أحفظُها وأحفظ موضعها من الكتاب، ولم يبق شيءٌ من كتب الفراء في هذا الوقت إلا وقد حفظته.

الصفحة 147