كتاب طبقات النحويين واللغويين

فقال هارون: قم. فقمتُ.
وسمعت عمي يقول: سمعت هارون يقول: ما رأيتُ أَوْفَى مِن الأصمعي بعدُ، ما ذكرتُ جعفرًا لأحدٍ إلَّا دعا عليه أو شتمه، إلَّا الأصمعيَّ.
قال أبو عبد الملك: قال العباس بن الفرج: سمعت عمرو بن مرزوق قال: رأيت سيبويه والأصمعي يتناظران، قال: يقول يونس: الحق مع سيبويه، وقد غلب ذا -يعني الأصمعي- بلسانِه.
قال: وقال أبو حاتم: حدثنا الأصمعي قال: بلغني عن أعرابي قال: الصمت صيانة للسان وسِتْر للعيّ.
قال: وقال أبو حاتم: أخبرنا الأصمعي قال: قيل لأعرابي: ألا أقلّ من الرجاء؟ قال: بلى، اليأسُ المريح أقلُّ منه.
قال: وقال أبو حاتم: حدثنا الأصمعي قال: قال رجل لابنه: إنَّ الغالبَ بالشَّرِّ لمغلوبٌ.
قال: وقيل لأعرابي: ما العيشُ؟ قال: الأمن والصحة، فإن كان مع ذلك سِداد من عيش فذلك.
وكان الأصمعي مِن أَرْوَى الناس للرجز، فزعموا أنه حفظ أربعة عشر ألف أرجوزة، فقيل له: أفيها شيء هو بيت أو بيتان؟ فقال: فيها المئة والمئتان.
وكان من أوثق الناس في اللغة، وأسرع الناس جوابًا، وأحضر الناس ذِهنًا.
وزعموا أن الرشيد في بعض أسفاره رأى نارًا بالليل من بعيد، فقال للأصمعي والكسائي واليزيدي: أنشدوني في هذه النار. فأنشد الأصمعي عدة أبيات، ولم يذكر اليزيدي والكسائي في الوقت شيئًا، فلما فرغ الأصمعي من إنشاده قالا للرشيد: والله يا أمير المؤمنين ما أنشدك شيئًا إلا وقد عرفناه، ولكنه أحضرُ ذِهنًا مِنَّا.
حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا محمد بن

الصفحة 169