كتاب طبقات النحويين واللغويين

هي". فخطَّأته الجماعةُ وحَصِر، فأعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف درهم وصرفه.
قال الأخفش: فلمَّا دخل إلى شاطئ البصرة وجَّه إليَّ فجئتُه، فعرَّفني خبرَه مع البغدادي، وودَّعني ومضى إلى الأهواز. وتزوَّدتُ وجلستُ في سُمَارِيَة حتى وردتُ بغداد، فوافيتُ مسجد الكسائي، فصلَّيتُ خلْفَه الغداةَ، فلمَّا انْفَتَلَ من صلاته، وقَعَد في محرابه، وبين يديه الفراء والأحمر وهشام وابن سَعْدان سألتُه عن مئة مسألة، فأجاب عنها بجوابات خطَّأتُه في جميعها. وأراد أصحابُه الوثوب عليَّ، فمنعهم من ذلك، ولم يقطعْني ما رأيتُهم عليه مما كنتُ فيه. فلما فرغت من مئة مسألة، قال الكسائي: بالله أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش؟! قال: قلتُ: نعم. فقام إليَّ وعانقني وأجلسني إلى جانبه، ثم قال لي: أولادي أُحِبُّ أن يتأدَّبوا بكَ، ويخرَّجوا على يديك، وتكونَ معي غيرَ مفارِق لي. وسألني ذلك فأجبتُه فلما اتَّصلت الأيام بالاجتماع سألني أن أؤلف له كتابًا في "معاني القرآن"، فألَّفتُ كتابي في المعاني، فجعله إمامًا لنفسه وعمل عليه كتابًا في المعاني، وعمل الفرَّاءُ كتابه في المعاني عليهما. فأقام سيبويه مُديْدة في الأهواز، ثمَّ مات من ذَرَبٍ أصابَهُ، وما قتله إلا الغمُّ لما جرى عليه.
أحمد بن يحيى قال: حدثني سلَمة قال: قال الفراء: قدم سيبويه على البرامكة، فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينه وبين الكسائي، فجعل لذلك يومًا، فلما حضر تقدمتُ أنا والأحمر فدخلنا فإذا بمثال في صدر المجلس، فقعد عليه يحيى بنُ خالد، وقَعد إلى جانب المثال جعفر والفضل ومَنْ حضر بحضورهم، وحضرَ سيبويه فأقبل عليه الأحمرُ فسأله عن مسألة، فأجاب فيها سيبويه، فقال له: أخطأتَ. ثم سأله عن ثانية فأجابه، فقال: أخطأتَ. ثم سأله عن ثالثة فأجاب، فقال: أخطأتَ. فقال سيبويه: هذا سوء أدب. قال: فأقبلتُ عليه فقلت: إن في هذا الرجل جِدًّا وعَجَلة، ولكن ما تقول فيمن قال: هؤلاء أيُّون، ومررت

الصفحة 70