كتاب الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة
لا يشتكي ألم البعاد متيم ... أحبابه بفؤاده سكان
ما عندهم إلا الكمال وإنما ... غطى على مرآتها النقصان
شغلتك بالأغيار عنهم مقلة ... إنسانها عن لمحهم وسنان
غمض جفونك عن هواهم معرضاً ... إن الصوارم حجبها الأجفان
واصرف إليهم لحظ فكرك شاخصاً ... ترسم (1) بقلبك كيف كنت وكانوا
ما غاب عن مغناك من ألطافه ... يهمي عليك سحابها الهتان
وجياد أنعمه ببابك ترتمي ... تسري إليك بركبها الأكوان
جغلوا دليلاً منك فيك عليهم ... فبدا على تقصيرك البرهان
يا لامحاً سر الوجود بعينه ... السر فيك بأسره والشان
ارجع لذاتك أن أردت تنزها ... فبها لعيني ذي الحجى بستان
هي روضة مطلولة بل جنة ... فيها المنى والروح والريحان
كم حكمة صارت تلوح لمبصر ... حارت لباهر صنعها الأذهان
حجبت بشخصك عن عيانك شمسها ... فمحا خاسن ذكرها النسيان
لولاك ما خفيت عليك إياتها ... والجو من أنوارها ملآن
فاخرج إليهم عنك مفتقراً لهم ... إن الملوك بافتقار تدان
واخضع لعزهم ولذ بهم يلح ... منهم عليك تلطف وحنان
هم رشحوك إلى الوصال إليهم ... وهم على طلب الوصال أعانوا
عطفوا جمالهم على أجمالهم ... فسبا المشوق الحسن والإحسان
يا ملبسين عميدهم حلل الضنى ... جسمي بما تكسونه يزدان
__________
(1) د: ترهم.