كتاب أخبار الوادي المبارك العقيق

296 ...
أصلحك الله من أين لك هذا الغناء؟. فقال: ((نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنين، وآخذ عنهم، فقالت لي أمي: يا بني إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه، فدع الغناء، واطلب الفقه فإنه لا يضر معه قبح الوجه، فتركت المغنين واتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي ما ترى، قلت له: فأعد جعلت فداءك، قال: لا، ولا كرامة، أتريد أن تقول: أخذته عن مالك بن أنس! وإذا هو مالك بن أنس، ولم أعلم)).
والمتفحص في متن الخبر، ومقارنته بما عرف عن حياة الإمام مالك يجد فيه الضعف والاختلاق.
فقوله: إذا كان المغني قبيح الوجه - كما جاء على لسان والدته، هذا كلام لا يصح، لأن المشهور أن الإمام ((كان شديد البياض إلى الشقرة، طويلاً، عظيم الهامة)) (1).
وقوله: ((فقالت لي أمي .. )) ومعنى هذا لو كان مالك جميل الوجه - كما ترى الرواية أنه قبيح الوجه - لما صرفته أمه عن الغناء .. وهذا ينافي البيئة التي عاش فيها الإمام مالك طفولته:
فقد كان جده، مالك بن أبي عامر من كبار التابعين وعلمائهم وكان عماه ربيع ونافع من أهل رواية الحديث. وكان أبوه أنس بن مالك يروي الحديث على قلة. وكان له أخ اسمه النضر، توجه إلى مجالس العلم قبله.
فالأسرة كانت أسرة علم شرعي، فمن أين يأتيه الانصراف إلى الغناء؟ (2) .... ولم تكن العلاقات الأسرية مفككة حتى يخرج أحد أفرادها على السنة المتبعة في المجتمع.
وأما قوله: نشأت وأنا غلام حدث .. إلخ ((فهذا أيضاً ينافي أخبار ...
__________
(1) المعارف، لابن قتيبة 498. ومقدمة شرح الموطأ.
(2) انظر ((مالك)) للشيخ محمد أبي زهرة.

الصفحة 296