كتاب أخبار الوادي المبارك العقيق

297 ...
الإمام مالك في طفولته: لأن الروايات الموثوقة تقول: إنه ذكر لأمه أنه يريد أن يذهب فيكتب العلم، فألبسته أحسن الثياب، وعممته، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن، وكانت تقول: اذهب إلى ربيعة فتعلم علمه قبل أدبه.
وقد قال بعض معاصريه: ((رأيت مالكاً في حلقة ربيعة، وفي أذنه شنف (1)، وهذا يدل على ملازمته طلب العلم منذ صغره .. فإذا كان قد لزم العلم وفي أذنه شنف، وهذا يكون قبل سن العاشرة فمتى جالس المغنين وأجاد فن الغناء حتى حفظ صوت طويس، وبقي عالقاً في ذاكرته مدة طويلة، وأداه أداء حسناً كما صنعه صاحبه؟ إن هذا يقتضي أن يكون الإمام جالس المغنين مدة طويلة ليحذق هذا الفن.
وتقول الرواية: ((وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء)).
ونحن نقول:
إذا كانت القصة حصلت قبل شيب الإمام مالك، فإن الإمام مالكاً كان أسود الشعر.
فقد روي في ((ترتيب المدارك)) عن بعض معاصريه، قال: دخلت المدينة سنة 144 هـ ومالك أسود الرأس واللحية، والناس حوله سكوت، لا يتكلم أحد هيبة.
وإذا كانت القصة قد حصلت بعد شيب الإمام مالك: فإنه لم يكن يصبغ لحيته، ولا يغير شيبه (المعارف لابن قتيبة) ...
وتخالف أيضاً المعروف من أخلاقه، والوقار الذي كان له، فلم يأخذ عليه أحداً لغواً في قول أو مزحة أو تندر بنادرة.
أما سند الخبر .. فيكفي أن يكون فيه إسحق بن محمد ... لأنه كما يقول ابن حجر في ((لسان الميزان)) كذاب مارق من الغلاة، وكان ...
__________
(1) الشنف: بفتح الشين، وسكون النون: الذي يلبس في أعلى الأذن (اللسان) وربيعة: هو: ربيعة بن فروخ، متوفى سنة 136 هـ. ويلقب: ربيعة الرأي. ((تذكرة الحفاظ 1/ 183)).

الصفحة 297