كتاب أخبار الوادي المبارك العقيق

301 ...
وقال ابن الماجشون: ((إني لأسمع بالكلمة المليحة ومالي إلا قميص واحد فأدفعه إلى صاحبها وأستكسي الله عز وجل)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً)) (1).
وكانت رقة الطبع صفة يشترك فيها الناس، ومنهم بعض العلماء والفقهاء، وتنقل كتب الأدب أمثلة على رقة فقهاء الحجاز، منها ما رووه أن أبا حازم (2) كان حاجاً، فخرج يرمي الجمار فإذا هو بامرأة حاسر (3) قد فتنت الناس بحسن وجهها وألهتهم بجمالها، فقال لها: يا هذه إنك بمشعر حرام، وقد فتنت الناس وشغلتهم عن مناسكهم فاتقي الله واستتري، فإن الله عز وجل يقول: ((وليضربن بخمرهن على جيوبهن)) (4) فقالت: إني من اللاتي قيل فيهن (5):
أماطت كساء الخز عن حر وجهها وأرخت على المتنين برداً مهلهلا
من اللائي لم يحججن يبغين حسبةً ولكن ليقتلن البريء المغفلا
فقال أبو حازم لأصحابه: تعالو ندع الله لهذه الصورة ألا يعذبها الله تعالى بالنار، فجعل أبو حازم يدعو وأصحابه يؤمنون.
فبلغ ذلك الشعبي - فقيه عراقي - فقال: ما أرقكم يا أهل الحجاز وأظرفكم، أما والله لو كان من قرى العراق لقال: اغربي عليك لعنة الله)).
...
__________
(1) حديث صحيح من حديث أنس. انظر ((صحيح الجامع الصغير)) للشيخ الألباني (2490).
(2) أبو حازم: هو سلمة بن دينار. ويقال له: سلمة الأعرج، فارسي الأصل وكان زاهداً عابداً ثقة توفي سنة 140 هـ (تهذيب التهذيب).
(3) امرأة حاسر: ليس على وجهها قناع.
(4) سورة النور آية (3).
(5) البيتان للحارث بن خالد المخزومي متوفى سنة 80هـ. شاعر غزل، ولي إمارة مكة أيام يزيد بن معاوية، فلما ظهر ابن الزبير هرب.

الصفحة 301