كتاب أخبار الوادي المبارك العقيق

306 ...
العصر العباسي - أن الحياة كانت رخيصة إلى حد ما، وكان الناس في بحبوحة من العيش، وكان الأمن مخيماً على المجتمع، فسكنى الناس في تلك المنطقة موزعين في قصور، بعيداً عن قلب المدينة، يدل على أنهم كانوا آمنين على نفوسهم وأموالهم ولا يخشون غارات اللصوص، وبالقياس إلى الفترات التالية من العصر العباسي، فإننا نجد الناس قد ضووا إلى قلب المدينة، وبدأ بناء السور حولها، بسبب ما كان يحصل من السطو حتى استفحل الأمر فيما بعد، ولم نعد نجد خارج السور ساكناً، فلما عاد الأمن والخير يعمان البلاد، عاد العقيق إلى عمرانه في العصر الحديث.
4 - كانت أشد أوقات العقيق ازدحاماً: في فصل الربيع عندما تلبس الأرض زينتها وعندما يسيل الماء في وادي العقيق.
في هذين الوقتين يخرج الناس إلى العقيق جماعات وزمراً، ويعبرون عن فرحتهم بما يرون بأنواع المتع البريئة: من إنشاد شعر، أو التفاف حول صاحب فكاهة، أو حول بعض أصحاب الأصوات الجميلة، يسمعهم أطيب الإنشاد فيما عذب لفظه وشرف معناه من الأشعار.
5 - لا يصح ما ترويه كتب التاريخ (1) والأدب القديمة والحديثة حول انكباب أهل المدينة على الغناء وسماع المغنين.
وإذا أردنا أن نعرف صورة المجتمع المدني فعلينا أن نرجع إلى كتب الحديث الشريف وكتب تراجم الصحابة والتابعين وطبقات الحفاظ والفقهاء، لأنها تتحرى الصحة والصدق فيما ترويه.
أما كتب الأدب والتاريخ فهي تجمع السقيم والصحيح من الأخبار، وتحتاج إلى دراسة سندها ومتنها عندما ننقل عنها، وهذه مهمة لا يقدر عليها إلا أهل العلم بالجرح والتعديل.
...
__________
(1) راجع كتاب ((أغاليط المؤرخين)) للدكتور محمد أبو اليسر عابدين.

الصفحة 306