كتاب أخبار الوادي المبارك العقيق

311 ...
وهذا ينطبق على جميع المواطن في الجزيرة العربية، ما عدا مكة - في القدم - التي كان إنشاؤها استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، فجعل الله أفئدة من الناس تهوى إليها، ورزق أهلها من الثمرات، وهيأ لأهلها رحلتي الشتاء والصيف للتجارة.
أما المدينة، فقد كانت تتوفر لها اسباب العيش في أرضها، ولم يعرف عن أهلها أنهم عنوا بالتجارة كثيراً، إلا ما كان من أمر اليهود الذين لا يتركون طريقاً من طرق الكسب إلا طرقوه.
وإذا كانت للمدينة أسواق تجارية في العصر الجاهلي، فإنما كانت مهبطاً لعرب الحجاز يمتارون منها ما يحتاجونه ولا سيما التمر الذي اشتهرت به المدينة ...
إذن كان اعتماد أهل يثرب على الإنتاج المحلي والتجارة الداخلية في الدرجة الأولى وإذا كان لهم نشاط تجاري وعلاقات تجارية مع مدن الحجاز، فقد كان يأتي هذا النشاط في الدرجة الثانية في اعتماد الناس عليه، لإكمال النقص في البيئة (1)، ذلك أن أرض المدينة غنية بالخيرات تنتج من الثمرات ما يكفي حاجة أهلها ويزيد عنهم، مع أنهم لم يكونوا يستغلون جميع الأراضي الصالحة للزراعة في المدينة، والدليل على كثرة خيراتها وسعة أراضيها الصالحة للاستغلال، أنها اتسعت لعدد كبير من المهاجرين دون أن يشعروا بنقص في الأرزاق قبل أن ينطلق المهاجرون لاستغلال أراض جديدة .. والعقيق من أرض المدينة البكر التي لم تستغلها يد الإنسان قبل الإسلام وتتوفر فيها كل مقومات العيش الرغيد، من بدايته في النقيع حتى نهايته عند الغابة.
فالعقيق واد عقته السيول - شقته - وفي كل موسم مطر تنهمر ...
__________
(1) تأتي أهمية المدينة التجارية من كونها محطة على طريق القوافل، ولم تكن تنافس مكة في منزلتها التجارية، انظر ((المدينة المنورة)) للدكتور: عمر الفاروق السيد رجب ((وقد نشطت قوافل التجارة من المدينة وإليها في العهد الراشدي حيث هاجر إليها أصحاب الخبرة التجارية من أهل مكة)).

الصفحة 311