كتاب أخبار الوادي المبارك العقيق

312 ...
الأمطار الغزيرة على المرتفعات والهضاب المحيطة، وتندفع في مجرى السيل، ويتسرب جزء منه إلى باطن الأرض، ويستخرجه الناس بعد ذلك عن طريق الآبار. وما يسيل في بداية الوادي، لا بد أن يصل إلى نهايته، إذا كان المطر غزيراً، ولهذا فإن جميع ضفاف الوادي تكون قابلة للسكنى والزرع لتوفر أسباب العيش.
وعندما اشترى عروة بن الزبير مكان قصره، قيل له: إنك لست بموضع مدر، فقال: يأتي الله به من النقيع، فجاء سيل فدخل في مزارعه فكساها من خليج كان خلجه.
وينطبق على جغرافية الوديان ما ينطبق على جغرافية الأنهار (1)، ونحن نعرف أن كثيراً من البلدان لا تسقط فيها الأمطار، ولكن يسوق الله إليها أمطاراً تسقط في بلاد بعيدة، فتكون الأنهار، فتصل إلى بلاد ما كانت لتوجد لولا أن يسوق الله إليها غيثاً يسقط على غير ارضها.
فهذه مصر -هبة النيل-يسوق الله اليها أمطار إفريقيا فتنعم بخيرات نهر النيل.
وكذلك الحال في أودية المدينة، فإنها تمتلىء بالمياه المرسلة من مكان بعيد.
فإذا هطلت المياه على جبال الطائف البعيدة وكانت غزيرة فإنها تصل إلى المدينة المنورة ويفيض وادي قناة .. ووادي العقيق يرسل الله إليه مياه الأمطار التي تسقط على مرتفعات قاصية، تبعد عن المدينة مئات الأكيال.
وهكذا تتوفر لضفاف العقيق إمكانيات العيش في الشتاء والصيف، في الشتاء: من الأمطار والمياه الجارية في مسيل الوادي.
وفي الصيف: من المياه التي ادخرتها الأرض لعمارها عندما اختزنتها في باطنها، وكأنها تحدب على أهلها كما تحدب الأم على أولادها، فالأرض تحب من يحبها، وتكرم من يقصدها طالباً معروفها، ولكنها لا تقدم ما عندها إلا ...
__________
(1) انظر ((مصادر المياه في المدينة)) في كتاب المدينة المنورة، للدكتور عمر الفاروق.

الصفحة 312