كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

وقسمة الدين إلى قشر ولب تؤثر في قلوب العوام أسوأ تأثير، وتورثهم الاستخفاف بالأحكام الظاهرة، وينتج عنها الإخلال بهذه الأمور التي سميت قشورًا، فلا تلتفت قلوبهم إليها، فتخلو من أَضعف الإيمان ألا وهو الِإنكار القلبي الذي هو فرض عين على كل مسلم تجاه المنكرات.
والتفريط في مُحَقَّراتِ الأعمال يؤدى إلى التفريط في عظائمها، لأن استمرار هذا التفريط يتحول مع الزمن إلي عادة تنتهي بصاحبها إلى قلة الاكثرات بأمور دينه، والتهاون بها.
ونحن إذا تسامحنا معهم في هذه القسمة إلى قشر ولب، فإننا نلفت أنظارهم إلى أن قياس أمور الدين على الثمار من حيث إن لكل منهما قشرًا ولبًّا، وظاهرًا وباطنًا، لا يعني أن القشرة التي أوجدها الله للثمرة إنما خُلِقتْ عبثًا، حاشا وكلا، بل لحكمة عظيمة وهي المحافظة على ما دونها وهو اللب نفسه، وهذا محملنا على أن لا نستهين بالقشر من حيث كونُه حارسًا أمينًا على اللب، وهكذا الشأن في أمور الدين الظاهرة.
ومن هذا القبيل: تقسيم الدين إلى أصول وفروع، فإن العلماء الذين فعلوا ذلك لا يظن بهم أنهم قصدوا بذلك التقسيم إيجاب الاتفاق على الأصول، ثم التسامح مطلقًا في الفروع، كما يظن بعض متفقهة هذا الزمان، فتراهم يميعون كل قضية فرعية بدعوى أن اختلاف الأمة ما دام في الفروع فهو رحمة، وهذا أصل قولهم: " مَنْ قَلَّدَ عالمًا لقى الله سالمًا ".
__________
= وحركاته وسكناته، حتى في هيئة أكله وقيامه، ونومه وكلامه، لست أقول ذلك في آدابه فقط، لأنه لا وجه لإهمال السنة الواردة فيها، بل ذلك في جميع أمور العادات، فبه يحصل الاتباع الطلق، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ... فلا ينبغى التساهل في امتثال ذلك، فتقول: " هذا مما يتعلق بالعادات، فلا معنى للاتباع فيه "، فإن ذلك يغلق عنك بابًا عظيمًا من أبواب السعادات) اهـ من " المدخل " (1/ 143، 144).

الصفحة 12