كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

وهذا بدوره قد أدى ببعضهم إلى اتباع الهوى والترخص دون تحري الدليل، ويلزم من ذلك القول بأن الاتفاق سخط، وهذا ما لا يقوله مسلم، ولو أنهم كانوا يرون أن " الخلاف شر " كما قال ابن مسعود رضي الله عنه وغيره، بل كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، لَسَعَوْا إلى الاتفاق، ولأمكنهم ذلك في كثير من هذه المسائل المتناقضة التي لا يمكن التوفيق بينها، إلا بِرَدِّ بعضِها الخالفِ للدليل وقبولِ البعضِ الآخر الموافقِ له، وإلا فقد نسبوا إلى الشريعة التناقضَ، والله عز وجل يقول:
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (1).
فإذا كان الاختلاف ليس من الله فكيف يصح جعلُه شريعةً متبعةً، ورحمةً منزلة؟ فالواجب التخلص من الخلاف ما أمكن، أو تضييق دائرته عملًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " سَدِّدُوا وقاربوا " (2)، وهذا ممكن في كثير من المسائل بما نصب الله تعالى عليها من الأدلة التي يُعرف بها الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، ثم بعد تحري الدليل والعجز عن التخلص من الخلاف يعذر بعضهم بعضًا فيما قد يختلفون فيه (3):
والذين قسموا الدين إلى قشر ولب ركبوا مطايا الخير للشر، فاستدلوا على بدعتهم ببعض النصوص:
* منها: ما رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت
__________
(1) (النساء: 82).
(2) البخاري في المرض (10/ 109)، باب تمني المريض الموت، وفي الرقاق (11/ 252 - 254)، باب القصد والمداومة على العمل، ومسلم رقم (2816) في صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، والنسائي (8/ 121، 122) في الإيمان، باب الدين يسر.
(3) انظر: " الإحكام في أصول الأحكام " لابن حزم (5/ 64، 67، 68)، " إعلام الموقعين " (3/ 359)، " جامع بيان العلم " (2/ 81 - 89)، " المسودة " لآل تيمية ص (497).

الصفحة 13