كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

قالوا: فهذه النصوص وأمثالها كثير تدل على أن العبرة بصلاح الباطن وصفاء النية وسلامة القلب، ولا التفات بعد ذلك إلى القشور الظاهرة.
وجواب ذلك:
ما قاله شيخ الِإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله، إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله)، وهذه من حكم الله الباهرة وآياته الظاهرة التي تبطل عمل المفسدين.
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لِكُلِّ امريءٍ ما نَوَى " لا يدل بأي وجه من وجوه الدلالات على إهدار العمل الظاهر، وعدم اعتباره، ولكنه يرشدنا إلى أحد شَرْطَيْ العبادةِ الصحيحة، وهما شرط في الظاهر، وشرط في الباطن، فأما شرط الظاهر: فأن يكون العمل موافقًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منافيًا للبدع، ودليل هذا الشرط قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد " (1) وفي رواية: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، وأما شرط الباطن فهو إخلاص النية لله عز وجل المنافي للرياء ودليله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات".
وقد جمعهما الله تبارك وتعالى في قوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (2).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} (3) قال: " أخلصه وأصوبه "، وقال: "إن العمل إذا كان خالصًا
__________
(1) رواه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (4/ 298) في البيوع: باب النجش، ووصله في الصلح (5/ 221) باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ومسلم رقم (1718) في الأقضية: باب نقض الأحكام الباطلة، وأبو داود في السنة: باب لزوم السنة (2/ 506)، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة: باب تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقم (14).
(2) (الكهف: 110).
(3) (الملك: 2).

الصفحة 15