كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا"، قال: " والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة "، فالحديث دليل على خطر النية وعظم شأنها، ولا يدل بحال على إسقاط شعائر الِإسلام الظاهرة، وقوله - صلى الله عليه وسلم - " الأعمال بالنيات " تقديره (الأعمال الواقعة بالنيات) أو (الأعمال حاصلة بالنيات) (1) أي الأعمال الاختيارية لا تقع إلا عن قصد من العامل هو سببب وجودها وعملها، ثم يكون قوله: " وإنما لكل امريء ما نوى " إخبارًا عن حكم الشرع، وهو أن حظ العامل من عمله بنيته فإن كانت صالحة فله أجره، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزره).
بل في الحديث ما يدل على خطرها أيضًا، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
فهذا مَثَلٌ من الأعمال التي صورتها في الخارج واحدة، ويشترك فيها المؤمنون والمنافقون، ويختلف صلاحُها وفسادُها باختلاف النيات، فهل يستقيم أن يستنبط إنسان من هذا التنفير عن الهجرة من دار الحرب إلى دار
__________
(1) وفي رواية (إنما العمل بالنية)، (ال) للعهد، وليست للاستغراق والشمول يراد منها: الأعمال الصالحة، قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: " إنما الأعمال الصالحة بالنيات الخالصة، والنية الحسنة لا تجعل الباطل حسنًا؛ لأن النية وحدها لا تكفي لتصحيح الفعل، فلا بد أن ينضم إليها التقيد بالشرع " اهـ. من " مدارج السالكين " (1/ 85) فمِن ثَمَّ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه راوى حديث النيات: " إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا صدقناه، وقرَّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: " إن سريرته حسنة ") رواه البخاري (3/ 221) في الشهادات: باب الشهود العدول.

الصفحة 16