كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

الاسلام اعتماداً على صدق النية، ألا يكون تخاذله عن هذه الهجرة من باب أولى أعظم دليل على فساد قلبه وسوء نيته؟! مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " (1).
وما قيمة هذه النية المزعومة إذا لم ينبثق عنها امتثال الأوامر واجتناب المناهي؟! ونظير ذلك نصوص كثيرة تربط بين كافة الشرائع الظاهرة وبين النية، وتُعَلِّقُ الفلاح على صلاح النية وصلاح العمل - قال مطرف بن عبد الله: " صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية ".
* من ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى " (2) فقوله - صلى الله عليه وسلم -: " وحسابهم على الله عز وجل " يعني أن الشهادتين مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي أعمال ظاهرة؛ تعصم دم صاحبها وماله في الدنيا إلا بأن يأتي ما يبيح دمه، وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل فإن كان صادقًا أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذبًا فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار، وفي بعض روايات مسلم: ثم تلا: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 21 - 26].
ومن ذلك: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن خالد بن الوليد رضي الله عنه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل رجل، فقال: "لا، لعله أن يكون
__________
(1) تقدم تخريجه ص (14).
(2) رواه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما البخاري (1/ 70، 71) في الإيمان: باب " فإن تابوا وأقاموا الصلاة "، ومسلم فيه أيضًا: باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، رقم (22).

الصفحة 17