كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

في الأعمال الصالحة، وأن القول بإهدار الأعمال الظاهرة قول ساقط يؤدي إلى ضياع الدين واستحلال المحرمات احتجاجًا بالنية الصالحة المزعومة (1)، وكذبوا، لو حسنت نياتهم لحسنت أعمالهم، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب " فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للحرمات واتقائه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإن كان قلبه سليمًا ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذرًا من الوقوع في المحرمات، وإن كان القلب فاسدًا قد استولى عليه اتباعُ الهوى، وطلبُ ما يحبه -ولو كرهه الله- فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب، ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك.
والحاصل أنه يمكن الاستدلال على صلاح القلب أو فساده بمدى ما تظهره جنوده من الانقياد لشرائع الِإسلام، فلا يتصور قلب صالح عامر بالعلم والِإيمان ينضح منه معاندة الشرع، إذ إن الظاهر عنوان الباطن ودليل صلاحه أو فساده - فاللحية مثلًا من الجسد الذي هو مرآة القلب فمن استأصلها بغير عذر محتجًّا بصلاح قلبه كذَّبه ظاهرُه، ومن امتثل أوامر
__________
(1) إذ يلزم منه مفاسد لا حصر لها: من استباحة ترك ما فرض الله من وقوف وركوع وسجود في الصلاة، وتوجه إلى القبلة، والتزام بطلوع الفجر للبدء بالصيام، وغياب الشمس لانتهائه، وإذن لاستبيح ترك شعائر الحج من إحرام وهَجْر مَخيط ومصبوغ من الثياب، وطواف بالكعبة، وسعي بين الصفا والمروة، ووقوف بعرفات، إلى غير ذلك من رمي جمار ونحوه، بل لو صح هذا لاضطرب التكليف جملة، ولا يقول بهذا مسلم.

الصفحة 19