كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

عَقَلْنا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلًا باديًا صدرُه من الصف، فقال: " عبادَ الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم، أو ليخالِفَنَّ الله بين وجوهكم ") وفي روارة: " قلوبكم " (1) فأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الاختلاف في الظاهر ولو في تسوية الصف مما يوصل إلى اختلاف القلوب، فدل على أن للظاهر تأثيرًا في الباطن، ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهي عن التفرق حتى في جلوس الجماعة، فقد قال جابر بن سمرة رضي الله عنه:
(خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآنا حِلَقًا، فقال: " ما لي أراكم عِزِين؟ " (2)).
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلًا تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان "، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلًا إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: "لو بُسِطَ عليهم ثوب لَعَمَّهم" (3)).
__________
(1) رواه البخاري (2/ 173) في صلاة الجماعة: باب تسوية الصفوف عند الِإقامة، وكذا رواه مسلم -واللفظ له- رقم (436) في الصلاة: باب تسوية الصفوف وإقامتها، وأبو داود رقم (622، 663) في الصلاة: باب تسوية الصفوف، والترمذي رقم (227) في الصلاة: باب ما جاء في إقامة الصفوف، والنسائي (2/ 89) في الإمامة: باب كيف يقوم الإمام الصفوف؟
(2) رواه مسلم رقم (430) في الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة، وأبو داود -واللفظ له- رقم (4823) في الأدب، باب في التحلق، وكذا رواه الإمام أحمد (5/ 92، 93، 101، 107).
ومعنى عزين: أى متفرقين، جماعة جماعة - ومعناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع.
(3) أخرجه أبو داود رقم (2628) في الجهاد: باب ما يؤمر من انضمام العسكر، وابن حبان (1664 - موارد)، والحاكم (2/ 115)، ومن طريقه البيهقي (9/ 152)، والإمام أحمد (4/ 193)، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.

الصفحة 22