كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

وتَضْرِبُهُ الوَليْدَةُ بِالهَرَاوي (1) ... فَلا غِيَرٌ لَدَيْهِْ ولَا نَكيرُ
فإِنْ أكُ في شِرارِكُمُ قَليلًا ... فإِنِّي في خِيارِكُمُ كَثيرُ (2)
(كان الِإمام النووي رحمه الله إذا رآه الرائي ظنه شيخًا من فقراء سكان القرى، فلا يأبه له، ولا يخيل إليه أنه شيء يُذكر، فإذا سمعه يُدَرِّس أو يقرر أو يحدِّث فغر فاه، وحملق بعينيه عجبًا من هذه الأحمال أن تنكشف عن جوهر نفيس، وعبقرية نادرة في العلم والزهد والتقوى، ولا عجب فالتراب مكمن الذهب، ولكن الناس في كل زمان ومكان يغرهم حسن الهيئة، وجمال الهندام، فإذا رأَوْا مَن هذه صفته؛ وقَّروه، وعظموه قبل أن يعرفوا ما وراء هذه البزة، وقد يكون فيها نخاع ضامر، وفكر بائر، وقلب حائر.
تَرَوْنَ بلوغَ المجدِ أن ثيابَكم ... يلوحُ عليها حسنُها وبَصيصُها
وليس العُلَى دَرَّاعة ورداءها ... ولا جبة موشية وقميصها (3))
...
ليس الجمالُ بمئزرٍ ... فاعلم وإن رُدِّيتَ بُرْدا
إن الجمال معادنٌ ... ومحاسنٌ أورثن مجدا
فما بال القوم قد ابتغوا العزة في رباط العنق، وكيِّ الملابس، وأهدروا أموالهم في مظاهر قشرية جوفاء، وإذا ندبت أحدهم إلى الاعتدال انطلق كالصاروخ يسرد لك ما أسعفه من الحجج والمعاذير، في حين أنه بمجرد رؤيته من يتمسك بالسنة وبهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلًا في ارتداء القميص (4)،
__________
(1) جمع هراوة، وهي العصا.
(2) نقلًا من " المظهرية الجوفاء " ص (40 - 41).
(3) " الإمام النووي " لعبد الغني الدقر ص (7).
(4) وقد صح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " كان أحب الثياب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القميص "، رواه الترمذي، وأبو داود، والحاكم، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4/ 197).

الصفحة 51