كتاب تبصير أولي الألباب ببدعة تقسيم الدين إلى قشر ولباب

وهذه الرسالة ترد على الفريقين كل بحسبه، وتبين أن مصطلح " القشر واللب " ظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قِبَلِهِ العذاب، ولذا انخدع به بعض الطيبين الذين ابتلعوا الطعم، فاستحسنوه، وصاروا يروِّجون له، دون أن يدركوا أنه قناعٌ نفاقى قبيح، وأنه من لحن قول العالمانيين الذين يتخذونه قنطرة يهربون عليها من الالتزام بشرائع الإِسلام دون أن يُخْدَش انتماؤهم إليه، نعم تتوقف القضية عند حسنى النية من المسلمين المخلصين عند نبذ ما أسموه قشرًا، لتركيز الاهتمام على ما دَعَوه " لبًّا "، ولكنها عند المنافقين الحريصين على اقتلاع شجرة الِإسلام من جذورها، مجرد مدخل إلى نبذ اللب والقشر معًا، تمامًا كما يرفعون شعار الاهتمام " بروح النصوص وعدم الجمود عند منطوقها "، ومع أن هذا كلام طيب إذا تعاطاه العلماء، وطبَّقه الأسوياء، لكنه خطير إذا رفعه أصحاب العاهات الفكرية والنفسية، والمشوهون عقديًّا؛ إذ يكون مقصودهم حينئذ هو " إزهاق " روح النص، بل اطِّراح منطوقه ومفهومه، أو توظيفه -بعد تحريفه عن مواضعه- لخدمة أهدافهم الخبيثة (1).
إنهم يريدون دينًا ممسوخًا كدين الكنيسة العاجزة المعزولة عن الحياة، يسمح لأتباعه بكل شىء مقابل أن يسمحوا له بالبقاء حيًّا على هامش الحياة، محبوسًا في الأقفاص الصدرية، لا يترك أى بصمة على واقع الناس ومجتمعاتهم.
إنهم: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (2).
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (3).
والحمد لله رب العالمين.
الِإسكندرية في الجمعة 11 شوال 1413 هـ الوافق 2 أبريل 1993 م
__________
(1) انظر: " العقلانية هداية أم غواية " للأستاذ عبد السلام بسيوني ص (87 - 94).
(2) التوبة: (32 - 33).
(3) يوسف: (21).

الصفحة 6