كتاب ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر
السحر له إلى المشركين أعدائه، ووبّخهم على زعمهم هذا، فإذًا هو ليس بمسحور قطعًا.
أقول: كان المشركون يعلمون أنه لا مساغ لأن يزعموا أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفتري -أي: يتعمّد- الكذب على الله عز وجل فيما يخبر به عنه، ولا لأنه يكذب في ذلك مع كثرته غير عامد فلجأوا إلى محاولة تقريب هذا الثاني بزعم أنه له اتصال بالجن، وأن الجن يلقون إليه ما يلقون فيصدقهم ويخبر الناس بما ألقوه إليه، هذا مدار شبهتهم وهو مرادهم بقولهم: به جنّة. مجنون، كاهن، ساحر، مسحور، شاعر، كانوا يزعمون أنّ للشعراء قرناء من الجن تلقي إليهم الشعر، فزعموا أنه شاعر، أي: أنّ الجن تلقي إليه كما تلقي إلى الشعراء ولم يقصدوا أنه يقول الشعر، أو أنّ القرآن شعر.
إذا عرف هذا فالمشركون أرادوا بقولهم: {إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا} أنّ أمر النبوة كله سحر، وأن ذلك ناشئ عن الشياطين استولوا عليه -بزعمهم- يلقون إليه القرآن ويأمرونه وينهونه، فيصدقهم في ذلك كله ظانًا أنه أنما يتلقى من الله وملائكته، ولا ريب أن الحال التي ذكر في الحديث عروضها له صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفترة خاصة ليست هي هذه التي زعمها المشركون ولا هي من قبيلها في شيء من الأوصاف المذكورة، إذن تكذيب القرآن وما زعمه المشركون لا يصح أن يؤخذ منه نفيه لما في الحديث.
فإن قيل: قد أطلق على تلك الحالة أنه سحر ففي الحديث عن عائشة سحر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل ... والسحر من الشياطين، وقد قال الله تعالى للشيطان: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان}.
قلت: أما الذى أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الملك فإنما سماها طبًا كما مر في
الصفحة 132
142