كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

اتضح، نال السلطة
الكبرى في كبر سنه، وكان يتحسر على ذلك، وكان وزع أوقاته من يوم وليلة، شطراً منها
للعبادة، وشطراً للعدل والقضاء، وبعضاً منها لإصلاح العسكر، فكان ينتبه من النوم في
ثلث الليل الآخر ويغتسل ويتهجد ويشتغل بالأوراد إلى أربع ساعات نجومية، ثم ينظر في
حسابات الإدارات المختلفة ويرشد الأمراء فيما يهمهم من الأمور في ذلك اليوم ويهديهم إلى
برنامج العمل اليومي لئلا يشوشوا أوقاته بعد ذلك بالأسئلة، ثم يقوم ويتوضأ لصلاة الفجر
ويصليها بالجماعة، ثم يقرأ المسبعات العشر وغيرها من الأوراد، ثم يحضر لديه الأمراء
فيسلمون عليه، ثم يقوم ويصلي صلاة الإشراق، ثم يسأل الناس عن حوائجهم ويعطيهم ما
يحتاجون إليه من خيل وأقطاع وأموال وغير ذلك لئلا يسألوه في غير ذلك من الأوقات، ثم
يتوجه إلى المظلومين والمستغيثين ويجتهد في إغاثتهم، ومن عوائد بعد الإشراق أنه ألزم عليه
أن يعرض علي العساكر فينظر إليهم وإلى أسلحتهم، ثم يعرض عليه من يريد أن يثبت في
العسكرية فيتكلم معه ويختبره ثم يأمر أن يثبت اسمه في العسكرية، ثم يعرض عليه الجبايات
التي تورد عليه من بلاده كل يوم، ثم يتمثل بين يديه الأمراء والمرازبة وسفراء الدول والوكلاء
فيتحدث معهم، ثم تعرض عليه عرائض الأمراء والعمال فيسمعها ويملي جوابها، ثم يقوم
ويقبل إلى الطعام وعلى مائدته جماعة من العلماء والمشايخ، ثم يشتعل نحو ساعتين بأمور
خصوصية، ويقيل إلى وقت الظهر ثم يقوم ويصلي بجماعة، ويشتغل بتلاوة القرآن الحكيم ثم
بمهمات الأمور للدولة، وكان لا يترك شيئاً من ذلك في الظعن ولا في الإقامة، وكان يقول: إن
الرجل الكبير من يصرف جميع أوقاته في الأمور الضرورية، وكان يقول: إن العدل صفة
محمودة عند جميع الناس مسلماً كان أو كافراً وكان يتوجه إلى المهمات ويباشر الأمور
بنفسه ويقول: إنه لا ينبغي لصاحب الأمر أن يستصغر ما يهمه من الأمور نظراً إلى علو
مرتبته فيلقيها على من حوله من رجاله، لأنهم لا يجتهدون فيها وربما يتغافلون عنها طمعاً
وارتشاء، وكان يعاقب البغاة وقطاع السبيل والظلمة أشد عقوبة ويعزرهم أشد تعزير، وكان
لا تأخذه بهم رأفة وإن كانوا من أصهاره وأقربائه.
وكان شير شاه أول من أسس قواعد السلطنة بعد علاء الدين الخلجي، ومهدها لمن بعده
من الملوك، ووضع القانون لترتيب العساكر ونصابها على أسلوب جديد، ووضع القانون
للمالية ووضعها للنقود، ووضع لغير ذلك من الأمور، فمما وضع لترتيب العساكر قانون داغ
الكي والتصحيحة، وهو أن يعرض الأمراء عساكرهم على عرض الممالك فيحمي الحديد في
النار ثم يكوي بها الأفراس، ومنها قانون الحلية وهو تحرير أسماء الفرسان وأوطانهم
وحليتهم وطول قامتهم وأعمارهم وما يختص بهم من الخطوط والسمات في دفتر خاص
لها، ومنها أنه أمر بتوزيع العساكر في بلاد وعين لها المعسكر في مقامات عديدة، ومنها أنه
ألزم عساكره أن يلزموا أنفسهم بناء القلاع من الطين في كل منزل إذا أرادوا الخروج إلى القتال
أو انتقلوا من معسكر إلى معسكر آخر، ومنها أنه ألزم عساكره أن لا يستأصلوا الزروع في
حال النقل والحركة وكان يعزرهم في ذلك أشد تعزير، ومنها أنه عين الأمناء ليدركوا نقصان
الزروع حال القتال ليعارضوا الناس به، ومنها أنه منع عساكره أن يأسروا أحداً من الرعية
في القتال.
وأما القانون الذي وضعه للمالية فمنه أنه أمر أن يمسح الأرض كل سنة، وقرر المالية على
أجناس الغلة، وكان يأخذ ثلث ما يحصل من الأرض المزروعة، وأبطل المكوس الكثيرة،
وأمر أن يؤخذ المكس من أهل التجارة مرتين: مرة حين تدخل أموال التجارة في بلاده، ومرة
إذا بيعت.
وأما القانون الذي وضعه لنظام المملكة فمنه أنه قسم الأرض المحروسة على إيالات، والايالة
على متصرفيات والمتصرفيات على عمالات، فقسم ما كانت تحت يده من أرض الهند على
ستة عشر ومائة عمالة وفي كل عمالة ولى واحداً من الأمراء لينوب عنه في كل ماله وما
عليه، والعامل الذي سماه شقدار، والخازن الذي سماه فوطه دار، وكاتبان أحدهما العارف
باللغة الهندية وثانيهما العارف باللغة الفارسية، وولى في كل عمالة ميناً لفصل القضايا فيما
بين الناس أو فيما بين الملك ورعاياه في حدود الأرض ولينظر أعمال العمال لئلا يخونوا في
المالية ولا يظلموا الرعية وسماه المنصف، وفي كل متصرفية ولى أميراً من أمرائه

الصفحة 354