كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

أحد من أعيان مكة وعلمائها وصلحائها إلا ودعاهم إحسانه إلى التردد إليه وحضور
مجالسه والكلام فيما يقع فيها من المباحث العلمية، ولقد كان شيخنا الامام أبو الحسن البكري الشافعي
لا يتردد لأحد من أبناء الدنيا إلا في نادر لأمر مهم وكان يعيب على من يرتدد إليهم، فلما جاء إلى
مكة واجتمع به وزاد إحسانه وتردده إليه صار يذهب إلى بيته ويأكل طعامه ويقبل هداياه، قال:
وكنت عنده يوماً فجاء مملوك سلطاني أرسله إليه نائب مصر خسرو باشاه بن خير الدين، معه خلعة
سنية ومراسيم بالاجلال والتعظيم والتوقير، والتمس منه أن يلبسها إجلالاً للسلطان وامتثالاً لأمر نائبه
بمصر، فأبى وقال: وكيف يجوز لي لبس الحرير! فألح فامتنع ولم يبال بتشويش المملوك ولا بكونه
ينهى ذلك لمرسله مع أنه كان في غاية الغلظة والجود إيثاراً لرضى الله تعالى على رضى غيره،
انتهى كلام الشيخ ابن حجر في الرسالة المفردة.
وللشيخ عز الدين عبد العزيز الزمزمي المكي قصائد غراء في مناقبه، منها قوله:
هو الجواد الذي سارت مكارمه شرقاً وغرباً وصارت فيهما مثلا
أعنى آصفخان عز الدين سيدنا أعزه الله عزاً للعدى خذلا
وكل من باسمه الميمون طايره يسمى على كل سام قد سما وعلا
وإن لي ذمة منه بتسميتي عبد العزيز رعى حقي بها وكلا
دعوه بالمسند العالي وكم خبر في الجود بالمسند العالي به وصلا
ولم تلقبه آصف خان دولته إلا لسر رأته فيه منتقلا
منه الشمائل والأخلاق قد كملت وقل من فيه هذا الوصف قد كملا
بالسعى ساد ولم يرد بالسؤدد ما سواه مما به قد ضلت العقلا
أسنى المناصب ملقى تحت أخمصه وقد تعاظم عنه رفعة وعلا
شهامة حفظت للعلم رتبته علا بها ذروة عنها السها استفلا
أعزك الله يا عبد العزيز فقد شيدت للعلم ذكراً بعد ما خملا
رفعت مقدار أهل العلم فارتفعوا بحسن رأيك وامتازوا عن الجهلا
لما أشدت تداريساً مقررة في المذهبين اكتست أهلوهما حللا
وكان في مكة للناس هيمنة عظيمة وتمنى العلم من جهلا
فصار من لا له علم ومعرفة بالعلم بعد مشيب الرأس مشتغلا
جزيت خير جزاء من إلهك عن هذا الصنيع الذي اختصت به النبلا
وفي قوله: لما أشدت تداريساً مقررة، إشارة إلى أنه بنى مدرسة بباب العمرة في البلدة المباركة
وولاها الشيخ عز الدين عبد العزيز الزمزمي والشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي وغيرهما من
علماء مكة المشرفة للتدريس، وهذه القصيدة تشتمل على ست وثمانين بيتاً.
وللشيخ عبد العزيز المذكور قصيدة أخرى رثاه بها لما بلغه وفاته، ومنها قوله:
أي القلوب لهذا الحادث الجلل أطراده الشم لم تنسف ولم تزل
وأي نازلة في الهند قد نزلت بلفحها كل حبر في الحجاز صلى
أعظم بنازلة في الكون طاربها براً وبحراً مسير السفن والابل
أخبارها طرقت سمعي فحملني طردتها غب رزء غير محتمل
أهدت لأهل الحجاز اليأس بعد رجا واليأس بعد الرجا كالطل بالأسل
فأصبح الناس في الفكر وفي وهج كثيرة ومزاج غير معتدل

الصفحة 369