كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

مات في غرة شوال - وقيل لليلتين خلتا من شوال سنة سبعين - وقيل اثنتين وسبعين - وتسعمائة
بمدينة آكره فدفن بها.
الشيخ عبد النبي الكنكوهي
الشيخ العالم المحدث عبد النبي بن أحمد بن عبد القدوس الحنفي الكنكوهي، أحد العلماء المشهورين
في أرض الهند، ولد بكنكوه، وقرأ القرآن والفقه والعربية وسائر العلوم في بلاده، ثم سافر إلى
الحرمين الشريفين وسمع الحديث بها عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي وعن غيره من
المحدثين، وتردد إلى الحجاز غيرة مرة، وصحب المشايخ مدة طويلة حتى رسخ فيه مذهب
المحدثين، فرجع إلى الأهل والوطن وخالفهم في مسألة السماع والتواجد ووحدة الوجود والأعراس
وأكثر رسوم المشايخ الصوفية ونصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج ببراهين ومقدمات،
فخالفه والده وأعمامه فأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر الله حتى أنهم أخرجوه من
الأهل والوطن، ولكن لما قيض الله له صدارة الهند طلبه أكبر شاه التيموري سلطان الهند وولاه
الصدارة في أرض الهند بعرضها وطولها سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، فاستقل بها زماناً، وأعطى
من الأرض والأموال ما لم يعط أحد قبله من الصدور، وحصل له القبول التام عند الخاص والعام،
وكان أكبر شاه يذهب إلى بيته لاستماع الحديث الشريف ويضع نعليه قدامه بيده ويتلقى إشاراته
بالقبول قال البدايوني: إنه استمر على ذلك سنين، ثم دخل في الحضرة ابنا المبارك فدسا في قلب
أكبر شاه ما رغب به عن أهل الصلاح والمشايخ، نزله عن منزلته وصار يتدبر حيلة لعزله، إذ
حدث أمر عظيم بمدينة متهرا، وهو أن القاضي عبد الرحيم كان يريد أن يبني مسجداً فيها، فغصب
عمارته أحد البراهمة وجعلها هيكلاً، فلما تعرض له القاضي المذكور سب النبي صلى الله عليه
وسلم، على رؤوس الأشهاد وهتك حرمة الإسلام، فرفع القاضي تلك القضية إلى الشيخ عبد النبي،
فطلبه الشيخ فلم يأت، فبعث أكبر شاه أبا الفضل ابن المبارك وبيربر الوثنى إلى متهرا ليأتيا به،
وقال الشيخ أبو الفضل: إن أهل متهرا كلهم متفقون عل أنه سب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار
العلماء على قسمين: طائفة منهم تفتي بقتله، وطائفة تفتي بالتشهير والمصادرة! فاستصوب عبد النبي
من أكبر شاه قتله، فأعرض السلطان عن القول به، فتأخر الشيخ عن ذلك وسأله مرة ثانية وثالثة،
وكلما كان يسأله يقول له: لا تسألوني عنه فإن السياسات الشرعية تتعلق بكم، وكانت في حرم
السلطان طائفة من بنات الكفار تشفع لذلك الكافر، ولكن السلطان يضمره في قلبه، فلما استيأس عن
ذلك عبد النبي قضى بقتله، فغضب عليه السلطان غضباً شديداً ورفع الشكوى إلى مبارك بن خضر
الناكوري، فقال له المبارك: إن السلطان أعدل الأئمة وأعقلهم وأعلمهم بالله سبحانه، لا ينبغي له أن
يقلد أحداً من الفقهاء المجتهدين، ورتب محضراً في ذلك، وبعث السلطان إلى عبد النبي وعبد الله،
فحضرا في مجلسه فلم يقم أحد لتعظيمهما، فجلسا في صف النعال وأثبتا توقيعهما على ذلك المحضر
كرهاً، ثم أمر السلطان لإخراجهما إلى الحرمين الشريفين، فسافر عبد النبي إلى الحجاز وأقام بها
زماناً، ثم رجع إلى الهند وطلب العفو والمسامحة من السلطان، فأمر وزيره راجه تودرمل أن
يحاسبه، فقبض عليه ذلك الكافر ونقمه أشد نقمة حتى مات، انتهى.
وفي مآثر الأمراء أن السلطان حبسه للمحاسبة وفوض أمره إلى أبي الفضل بن المبارك الناكوري
فقتله مخنوقاً، انتهى.
قال الشيخ عبد الحي بن عبد الحليم اللكهنوي في طرب الأماثل، إني رأيت في نسخة من مصنفاته
أن مولانا عبد النبي صدر السلطان أكبر وصل إلى مكة بعطايا السلطان في سنة ثمان وثمانين
وتسعمائة، وقسمها على دفتر كان معه بتوقيعات السلطان بمعرفة مولانا شيخ الإسلام القاضي حسين
على أهل الحرمين، وتوجه إلى الهند في رجب سنة تسع وثمانين وتسعمائة، وكان من أهل الخير
والصلاح، انتهى.
ومن مصنفاته وظائف النبي في الأدعية المأثورة وله سنن الهدى في متابعة المصطفى وله رسالة
في حرمة السماع رداً على رسالة أبيه، وله رسالة في رد طعن القفال المروزي على الإمام أبي
حنيفة، توفي سنة إحدى وتسعين وتسعمائة.

الصفحة 380