كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

فلما اجتمعت بكم وكان ما سبق ذكره من توفيقكم ومن خذلان من فضحه الامتحان
علمت بالتجربة أنهما ضرتان لا تجتمعان، وقد حصل ما جئت لأجله، فلزمني الآن صرف الوقت في
التوجه إلى بيت الله وإمضاء العمر في جواره:
في مكة الوقت قد صفا لي بطيب جار بها ودار
وخفض عيش جوار رب فذاك خفض على الجوار
قال: وهنا من ينوب عني في الحضور وهو الموفق للرشد عبد الصمد وفيه أهلية للدعاء فالتمسوه
منه، وقد أذنت له وللإذن تأثير في القبول، وأوصيكم بالإنابة إلى الله في سائر الأحوال، وإمضاء حكم
الشرع وإعزاز أهله وصحبة الصالحين، وتعظيم شعار الفقر، واتخاذ اليد عند الفقراء، ثم استودعه
الله تعالى وتوجه إلى بندر كهوكه، ومنها إلى مكة المشرفة، انتهى.
وقال الحضرمي في النور السافر: إنه كان على جانب عظيم من الورع والتقوى والإجتهاد في
العبادة ورفض السوى، وله مصنفات عديدة، وذكروا عنه أخباراً حميدة، ومن مناقبه العظيمة أنه رأى
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في المنام وكانت ليلة جمعة وسبعة وعشرين من شهر رمضان، فسأله
عن أفضل الناس في زمانه، قال: أنت، قال: ثم من؟ فقال: محمد بن طاهر بالهند، ورأى تلميذه
الشيخ عبد الوهاب في تلك الليلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وسأله مثل ذلك، فقال: شيخك ثم
محمد بن طاهر بالهند، فجاء إلى الشيخ علي المتقي ليخبره بالرؤيا، فقال له قبل أن يتكلم: قد رأيت
مثل الذي رأيت، وكان يبالغ في الرياضة حتى نقل عنه أنه كان يقول في آخر عمره: وددت أن لم
أفعل ذلك، لما وجده من الضعف في جسده عند الكبر، قال الفاكهي: وكان لا يتناول من الطعام إلا
شيئاً يسيراً جداً على غاية من التقلل فيه بحيث يستبعد من البشر الاقتصار على ذلك القدر، وما ذاك
إلا بملكة حصلت له فيه وطول رياضة وصل بها إليه، حتى كان إذا زيد في غذائه المعتاد ولو قدر
فوفلة لم يقدر على هضمه، قال: وكذا كان قليل الكلام جداً، قال غيره: وكان قليل المنام مؤثراً للعزلة
من الأنام، إلى أن قال: وكانت ولادته ببرهانبور سنة ثمان وثمانين وثمانمائة، وقيل خمس وثمانين
وثمانمائة، ومؤلفاته كثيرة نحو مائة مؤلف ما بين صغير وكبير، ومحاسنه جمة، ومناقبه ضخمة، وقد
أفردها العلامة عبد القادر بن أحمد الفاكهي في تأليف لطيف سماه القول النقي في مناقب المتقي ذكر
فيه من سيرته الحميدة ورياضته العظيمة ومجاهداته الشاقة ما يبهر العقول: ولعمري ما أحسن قوله
فيه حيث يقول: طابق اسم شيخنا علي ولقبه المتقي موضع علياه ومسماه.
وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور: ما اجتمع به أحد من العارفين أو العلماء العاملين واجتمع
هو بهم إلا أثنوا عليه ثناء بليغاً، كشيخنا تاج العارفين أبي الحسن البكري وشيخنا الفقيه العارف
الزاهد الوجيه العمودي وشيخنا إمام الحرمين الشهاب بن حجر الشافعي وصاحبنا فقيه مصر شمس
الدين الرملي الأنصاري وشيخنا فصيح علماء عصره شمس البكري، ونقل من هؤلاء الجلة عندي ما
دل على كماله مدحه شيخنا المتقي بحسن استقامته، والاستقامة أجل كرامة، وقول كل من هؤلاء
معتمدي في شهادته:
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام
قال: ومن ثم اشتهر بإقليم مكة المشرفة أشهر من قطا، وصار يقصده وفود بيت الله كما يقصد
المشعر الحرام والصفا، حتى بلغ صيته السلطان المرحوم المقدس سليمان، بعد أن كان يفرغ على
يديه بل قدميه ماء الطهارة محمود عظيم سلاطين الهند اعتقاداً، فيا له من شأن! قال: وشهرته في
الهند وجهاتها أضعاف شهرته بمكة، كما لا يحتاج في ذلك إلى إقامة برهان، قال: ومن مناقبه أن
بعض أصحابه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام في حياة الشيخ علي وكانت الرؤيا بمكة
المشرفة قائلاً: يا رسول الله! بماذا تأمرني حتى أفعله؟ قال: تابع الشيخ علي المتقي، فما فعله إفعله،
انتهى، وفي هذا أدل دليل على أن الشيخ علياً المتقي، نفعنا الله ببركاته، كان له النصيب الأوفر من
متابعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذا خصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذكر دون غيره من أهل زمانه، وأمر
الرائي

الصفحة 387