كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

بملاحظة أفعاله ومتابعته فيها، إلى غير ذلك من الإشارة كتسميته شيخاً، وكان الشيخ أبو
إسحاق الشيرازي - نفعنا الله به - يفتخر بمنام نبوي فيه تسميته النبي شيخاً، قلت: ورأيت في
بعض التعاليق رسالة من إملاء الشيخ - نفعنا الله ببركاته - تشتمل على نبذة من أحواله التي لا
تتلقى إلا عنه كالمشيرة إلى كمال مبدئه ومآله، فرأيت أن أذكر منها هنا ما دعت إليه الحاجة.
قال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله
وصحبه أجمعين، أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى على ابن حسام الدين الشهير بالمتقي إن خطر
في خلدي أن أبين للأصحاب من أول أمري إلى آخره، فاعلموا رحمكم الله أن الفقير لما وصل
عمري إلى ثمان سنين جاء في خاطر والدي رحمه الله أن يجعلني مريداً لحضرة الشيخ باجن، قدس
الله سره! فجعلني مريداً، وكان طريقه طريق السماع وأهل الذوق والصفاء، فبايعني على طريق
المشايخ الصوفية، وأخذت عنه وأنا ابن ثمان سنين، ولقنني الذكر الشيخ عبد الحكيم بن الشيخ باجن،
قدس سره! وكنت في بداية أمري أكتب بصنعة الكتابة لقوتي وقوت عيالي وسافرت إلى البلدان، فلما
وصلت إلى الملتان صحبت الشيخ حسام الدين وكان طريقه طريق المتقين فصحبته ما شاء الله، ثم
لما وصلت إلى مكة المشرفة صحبت الشيخ أبا الحسن البكري الصديقي، قدس الله سره! وكان له
طريق التعلم والتعليم، وكان شيخاً عارفاً كاملاً في الفقه والتصوف، فصحبته ما شاء الله ولقنني
الذكر، وحصل لي من هذين الشيخين الجليلين - عليهما الرحمة والغفران - من الفوائد العلمية
والذوقية التي تتعلق بعلوم الصوفية، فصنفت بعد ذلك كتباً ورسائل، فأول رسالة صنفتها في الطريق
سميتها تبيين الطريق إلى الله تعالى وآخر رسالة صنفتها سميتها غاية الكمال في بيان أفضل الأعمال
فمن من الطلبة حصل منهما رسالة ينبغي له أن يحصل الأخرى ليلازم بينهما في القصد، انتهى، قال
الحضرمي: وبالجملة فما كان هذا الرجل إلا من حسنات الدهر، وخاتمة أهل الورع، ومفاخر الهند،
وشهرته تغني عن ترجمته، وتعظيمه في القلوب يغني عن مدحته، انتهى.
وقال الشعراني في الطبقات الكبرى: اجتمعت به في مكة سنة سبع وأربعين وتسعمائة وترددت إليه
وتردد إلي، وكان عالماً ورعاً زاهداً نحيف البدن لا تكاد تجد عليه أوقية لحم من كثرة الجوع، وكان
كثير الصمت كثير العزلة لا يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة في الحرم فيصلي في أطراف
الصفوف ثم يرجع بسرعة، وأدخلني داره فرأيت عنده جماعة من الفقراء الصادقين في جوانب
حوش داره، كل فقير له خص يتوجه فيه إلى الله تعالى، منهم التالي ومنهم الذاكر ومنهم المراقب
ومنهم المطالع في العلم، ما أعجبني في مكة مثله! وله عنده مؤلفات، منها ترتيب الجامع الصغير
للحافظ السيوطي، ومنها مختصر النهاية في اللغة، وأطلعني على مصحف بخطه كل سطر ربع
حزب في ورقة واحدة، وأعطاني فضة وقال: لك المعذرة في هذا البلد، فوسع الله علي في الحج
ببركته حتى أنفقت مالاً عظيماً من حيث لا أحتسب، رضي الله عنه، انتهى.
وقال الجلبي في كشف الظنون في ذكر جمع الجوامع للسيوطي: إن الشيخ العلامة علاء الدين علي
بن حسام الدين الهندي الشهير بالمتقي رتب هذا الكتاب الكبير كما رتب الجامع الصغير وسماه كنز
العمال في سنن الأقوال والأفعال ذكر فيه أنه وقف على كثير ما دونه الأئمة من كتب الحديث، فلم ير
فيها أكثر جمعاً منه حيث جمع فيه بين أصول السنة وأجاد مع كثرة الجدوى وحسن الإفادة، وجعله
قسمين لكن عارياً عن فوائد جليلة، منها أنه لا يمكن كشف الحديث إلا بحفظ رأس الحديث إن كان
قولياً، أو اسم روايه إن كان فعلياً، ومن لا يكون كذلك يعسر عليه ذلك، فبوب أولاً كتاب الجامع
الصغير وزوائده وسماه منهج العمال في سنن الأقوال ثم بوب بقية قسم الأقوال وسماه غاية العمال
في سنن الأقوال ثم بوب قسم الأفعال من جمع الجوامع وسماه مستدرك الأقوال ثم جمع الجميع في
ترتيب كترتيب جامع الأصول وسماه كنزل العمال ثم انتخبه ولخصه فصار كتاباً حافلاً في أربعة
مجلدات.
وقال الجلبي في ذكر الجامع الصغير: وللشيخ العلامة علي بن حسام الدين الهندي الشهير بالتقي

الصفحة 388