كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

مات يوم العيد من شوال سنة خمس وثلاثين وتسعمائة وله ثلاث وسبعون سنة، وقبره مشهور ظاهر
بمدينة بيدر، ذكره السيد الوالد.
الشيخ محمد بن أحمد الفاكهي
الشيخ الفاضل العلامة محمد بن أحمد بن علي الحنبلي الفاكهي المكي أبو السعادات الكجراتي، كان
من كبار العلماء، ذكره عبد القادر الحضرمي في النور السافر، قال: إنه ولد سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة، وكانت له اليد الطولى في جميع العلوم، وإنه قرأ في المذاهب الأربعة، ومن شيوخه الشيخ
الكبير المحقق العلامة أبو الحسن البكري وشيخ الإسلام بن حجر الهيتمي والشيخ محمد بن الخطاب
في آخرين من أهل مكة وحضر موت وزبيد يكثر عددهم، ويقال إن الذين أخذ عنهم يزيدون عن
تسعين وأجازوه، ومقروءاته كثيرة جداً لا تنحصر، ومن محفوظاته: الأربعين النواوية، والعقائد
النسفية، والمقنع في فقه الحنابلة، وجمع الجوامع في أصول الفقه، وألفية ابن مالك في النحو،
وتلخيص المفتاح في المعاني والبيان، والشاطبية في القراءات، ونور العيون في السير لابن سيد
الناس، وكان يحفظ القرآن الكريم، ويقرأ للسبعة مع التجويد، ونظم ونثر، وألف غير واحدة من
الرسائل المفيدة، منها رسالة تكلم فيها على آية الكرسي وهي مفيدة جداً، ومنها شرح مختصر الأنوار
المسمى نور الأبصار في فقه الشافعية، ومنها رسالة في اللغة، ومنها كتاب جليل جعله باسم باب
السلاطين، ورزق الحظ في زمانه، وسمعته يقول الأنس بالله نور ساطع والأنس بالناس سم قاطع،
رحمه الله! ومن غرائب الاتفاق أنه قال: حضرت بعض مجالس الوزراء فوقع الكلام في الاستفهام
الإنكاري فقال بعض أهل العلم، هذا كقوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون
الكتاب أفلا تعقلون" وأشار إلي بالتعريض، ففهمت منه ذلك فاستحضرت حينئذ وقلت مخاطباً له:
وقوله تعالى "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون" فخجل ذلك الرجل.
قال الحضرمي: وكان والدي يسميه شيخ الإسلام، وكان جواداً، قال بعضهم: ما رأيت أسخى منه،
وقال آخر: ما أظن أحداً من الأشراف والعرب دخل الهند إلا وله عليه إحسان، وكان لا يمسك شيئاً،
ولذلك كان كثير الاستقراض، وكان يغلب عليه الحدة، وكان من شدة تواضعه لأصحابه ربما ينسبونه
إلى التملق، وكان له عقيدة مفرطة في السادة آل باعلوي، وذهب إلى حضرموت لزيارتهم فلقي
جماعة من أعيانهم وعادت عليه بركتهم ودخل الهند وأقام بها مدة مديدة، ثم رجع إلى وطنه مكة
المشرفة في سنة سبع وخمسين فحج ذلك العام وزار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم حج في السنة
التي تليها وعاد إلى الهند في سنة ستين وتسعمائة فأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله، وصاحبه
الشيخ الفاضل عبد اللطيف الدبير مدحه بقصيدة منها قوله:
يا علامة الدنيا ويا عالم غداً يقصر عن غاياته في العلا البدر
ومن لاح مثل الصبح فضل كماله فضاء به الأقطار وافتخر العصر
ويا أيها البحر الخضم لعلمه وبالرفق للطلاب يا أيها البر
وفاكهة الدنيا ينهاه ذا الهنا وجمع علوم فاح من طيبها النشر
أب لسعادات وأصل محامد فمن أمه بالنجح آل كذا اليسر
تباهت له كجرات لما ثوى بها فإن فخرت يوماً يحق لها الفخر
توفي يوم الجمعة لتسع بقين من جمادي الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة بمدينة أحمد آباد فدفن
بها، كما في النور السافر.

الصفحة 404