كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر = الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام (اسم الجزء: 4)

والشيخ
برخور دار السندي، ولازم الشيخ علي بن حسام الدين المتقي وأخذ عنه وذكره في مبدء كتابه مجمع
البحار ورجع إلى الهند وقصر همته عن التدريس والتصنيف، وكان طريقه الإشتغال بعمل المداد
إعانة لكتبة العلم بها.
قال الحضرمي في النور السافر: إنه كان على قدم من الصلاح والورع والتبحر في العلم، قال:
وبرع في فنون عديدة وفاق الأقران حتى لم يعلم أن أحداً من علماء كجرات بلغ مبلغه في فن
الحديث، كذا قاله بعض مشايخنا، قال: وورث عن أبيه مالاً جزيلاً فأنفقه على طلبة العلم الشريف،
وكان يرسل إلى معلم الصبيان ويقول: أي صبي حسن ذكاؤه وجيد فهمه أرسله إلي، فيرسل إليه
فيقول له: كيف حالك؟ فإن كان غنياً يقول له: تعلم، وإن كان فقيراً يقول له: تعلم ولا تهتم من جهة
معاشك، أنا أتعهد أمرك وجميع عيالك على قدر كفايتهم، فكن فارغ البال واجتهد في تحصيل العلم،
فكان يفعل ذلك بجميع من يأتيه من الضعفاء والفقراء ويعطيهم قدر ما وظفه، حتى صار منهم جماعة
كثيرة علماء ذوي فنون كثيرة، فأنفق جميع ماله في ذلك، وحكى أنه في أيام تحصيله قاسي من الطلبة
وغيرهم شدائد فنذر إن رزقه الله سبحانه علماً ليقومن بنشره ابتغاء لمرضاة الله سبحانه، فلما تم له
ذلك فعل كذلك وقام به احتساباً لله، فانتفع بتدريسه عوالم لا تحصى، رحمه الله وأعاد علينا من
بركاته، انتهى.
وكان رحمه الله من البوهرة المتوطنين بكجرات الذين أسلم أسلافهم على يد الشيخ علي الحيدري
المدفون بكنباية، ومضى لإسلامهم نحو سبعمائة سنة، وعامتهم يكسبون المعاش بالتجارة وأنواع
الحرف، كما يدل عليه اسم البوهرة، وهي مشتقة من بيوهار - بكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها
هاء مفتوح والألف والراء المهملة - في لغة أهل الهند معناه التجارة، وهم في العقائد على مذهب
الشيعة الإسماعيلية وبعضهم سنيون، أرشدهم إلى طريق أهل السنة جعفر بن أبي جعفر الكجراتي
وكان إسماعيلياً هداه الله سبحانه فقام بنصر السنة جزاه الله عنا وعن سائر المسلمين! والشيخ محمد
بن طاهر نفعنا الله ببركاته كان من أهل السنة والجماعة.
ونقل القنوجي في إتحاف النبلاء عن بعض العلماء أنه كان صديقي النجار، واستدل عليه أن الشيخ
عبد القادر بن أبي بكر التوفي سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف كان مفتياً بمكة المشرفة وكان من أحفاد
الشيخ محمد بن طاهر صاحب الترجمة، وكان حامل راية العلم، له مصنفات جليلة، منها فتاواه في
أربع مجلدات، وكان الشيخ عبد الله بن طرفة الأنصاري الشافعي المكي أستاذه مدح تلميذه بقصيدة
غراء فيها ما يدل أنه كان صديقياً:
قد كان جد أبيك بل ضريحه من أوحد العلماء والفضلاء
أعني محمد طاهر من منجر ال صديق حققه بغير مراء
والحق الحقيق الذي بالقبول يليق أن الشيخ محمد بن طاهر نفعنا الله ببركاته كان هندي النجار،
صرح بذلك في مبدء كتابه تذكرة الموضوعات.
وكان رحمه الله عزم على دفع المهدوية وعهد أن لا يلوث على رأسه العمامة حتى تموت تلك
البدعة التي عمت بلاد كجرات وكادت أن تستولي على جميع جهاتها، فلما فتح أكبر شاه التيموري
بلاد كجرات سنة ثمانين وتسعمائة واجتمع بالشيخ محمد بن طاهر عممه بيده وقال له: على ذمتي
نصرة الدين وكسر الفرقة المبتدعة وفق إرادتك، وولي على كجرات مرزا عزيز الدين أخاه من
الرضاعة، فأعان الشيخ وأزال رسوم البدعة ما أمكن، فلما عزل مرزا عزيز وولي مكانه عبد الرحيم
بن بيرم خان اعتضد به المهدوية وخرجوا من الزوايا، فنزع الشيخ عمامته وسافر إلى آكره، وتبعه
جمع من المهدوية سراً وهجموا عليه في ناحية أجين فقتلوه.
وله مصنفات جليلة ممتعة أشهرها وأحسنها كتابه مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف
الأخبار في مجلدين كبيرين، جمع فيه كل غريب الحديث وما ألف فيه، فجاء كالشرح للصحاح الستة،
وهو كتاب متفق على قبوله بين أهل العلم منذ ظهر في الوجود، وله منة عظيمة بذلك العمل على
أهل العلم، ومنها تذكرة الموضوعات في مجلد كبير، ومنها

الصفحة 410